[احتياط الإمام مالك في الرواية وتحريه في نقد الرجال]
احتياطه في الرواية وتحريه في نقد الرجال: عن منصور بن سلمة الخزاعي قال: كنت عند مالك فقال له رجل: يا أبا عبد الله! أقمت على بابك سبعين يوماً وقد كتبت ستين حديثاً، فقال: ستون حديثاً! وكأنه يستكثره.
أي: أن الرجل كان يقلل العدد، والإمام مالك يستكثره، فقال له الرجل: إننا ربما كتبنا بالكوفة في المجلس ستين حديثاً، قال: وكيف بالعراق دار الضرب، يضرب بالليل وينفق بالنهار.
وعن محمد بن إسحاق الثقفي السراج قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن أصح الأسانيد؟ فقال: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وعن سفيان بن عيينة قال: ما كان أشد انتقاد مالك للرجال وأعلمه بشأنهم.
قال الذهبي: وقد كان مالك إماماً في نقد الرجال حافظاً مجوداً متقناً.
قال بشر بن عمر الزهراني: سألت مالكاً عن رجل فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا، قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
فهذا يشير إلى أن الإمام مالك كان لا يروي إلا عن ثقة.
قال الذهبي: فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة، ولا يلزم من ذلك أن يروي عن كل الثقات، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه وهو عنده ثقة أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره، إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال.
وعن عثمان بن كنانة عن مالك قال: ربما جلس إلينا الشيخ فيحدث جل نهاره ما نأخذ عنه حديثاً واحداً، وما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث.
وعن ابن عيينة قال: ما نحن عند مالك إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر الشيخ إن كان كتب عنه مالك كتبنا عنه.
وابن عيينة إمام مكة وشيخ الإمام الشافعي والإمام أحمد.
وعنه قال: كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحاً، ولم يحدث إلا عن ثقة، وما أرى المدينة إلا ستخرج بعد موته، يعني: من العلم.
قال الشافعي: قال محمد بن الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسراً، وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث.
فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير.
فـ محمد بن الحسن لما رجع من الكوفة كان يروي الموطأ؛ لأنه من أحد رواة الموطأ، فكانت الدار تمتلئ بالتلاميذ، فإذا حدث عن غيره خلت الدار، أو ما سمعه إلا اليسير.
وعن محمد بن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه -نحن نقولها بنية الدعاء وليس بنية الخبر؛ لأنها خاصة بالصحابة رضوان الله عليهم- يقول: إذا جاء الحديث عن مالك فاشدد يديك به.
وعنه عن الشافعي قال: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله.
وعن حبيب بن زريق قال: قلت لـ مالك بن أنس: لم لم تكتب عن صالح مولى التوأمة وحزام بن عثمان وعمر مولى غفلة، قال: أدركت سبعين تابعياً في هذا المسجد، ما أخذت العلم إلا عن الثقات المأمونين.