[ثناء العلماء على الإمام الأوزاعي]
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الأئمة في الحديث أربعة: الأوزاعي، ومالك، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد.
يعني: هؤلاء أئمة زمانهم، الأوزاعي بالشام، ومالك بالمدينة، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن زيد بالبصرة، وكان يمكن أن يضيف سفيان بن عيينة في مكة، وابن المبارك أيضاً بخرسان.
وعنه قال: ما كان في الشام أحد أعلم بالنسب من الأوزاعي.
وعن عثمان بن سعيد الدارمي قال: سألت يحيى بن معين عن الأوزاعي ما حاله في الزهري؟ قال: ثقة، ما أقل ما روى عن الزهري.
يعني: رواياته عن الزهري قليلة؛ لأنه من نفس الطبقة، من طبقة كبار أتباع التابعين، والذين رووا عن الإمام الزهري من صغار التابعين، وكان أعلم أهل زمانه.
وعن سفيان بن عيينة قال: كان الأوزاعي إمام أهل زمانه.
وقال محمد بن سعد: وكان ثقة مأموناً صدوقاً فاضلاً خيراً، كثير الحديث والعلم والفقه، حجة.
وقال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس في سنة (١٤٠) هـ يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.
وعن محمد بن شعيب قال: قلت لـ أمية بن يزيد: أين الأوزاعي من مكحول؟ قال: هو عندنا أرفع من مكحول.
قال الذهبي: بلا ريب هو أوسع دائرة في العلم من مكحول.
وقال الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه.
وعن الوليد بن مسلم قال: ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعي حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام والأوزاعي إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله! عمن أحمل العلم؟ قال: عن هذا، وأشار إلى الأوزاعي.
قال الذهبي: كان الأوزاعي كبير الشأن وقال إسحاق بن راهويه: إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على أمر فهو سنة.
لقد كان الإمام الذهبي مؤرخاً، لكنه لم يكن مؤرخاً حاطب ليل يجمع أي أخبار، ولكن كان يعلق أحياناً ويعترض أحياناً على ما لا يوافق الحق، فعلق على هذه الكلمة (فهو سنة) فقال الذهبي: بل السنة سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، والإجماع ما اجتمع عليه علماء الأمة قديماً وحديثاً إجماعاً ظنياً أو سكوتياً، فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم بقول باجتهاد احتمل له، فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة فلا يسمى مخالفاً للإجماع ولا للسنة، كما كان الإمام مالك يعتبر إجماع أهل المدينة حجة.
وكان يقول: إن المدينة هي مدينة العلم وفيها أبناء المهاجرين والأنصار، فلا شك أن الحديث الذي ليس له أصل في الحجاز كما يقولون انقطع نخاعه، لا بد أن يكون له أصل في الحجاز، ولكن العلماء بعد الإمام مالك اعترضوا على ذلك، ولم يوافقوه على إن إجماع أهل المدينة حجة؛ لأن هذا ليس عليه دليل شرعي؛ والعلماء تفرقوا في الأمصار، والإجماع هو إجماع سائر الأئمة المجتهدين في عصر من العصور.
فلا شك أنه كان في خارج المدينة علماء مجتهدون، فلا يعتبر إجماع أهل المدينة أو أي بلد من بلاد المسلمين حجة.
كذلك يعترض هنا الإمام الذهبي على أن اجتماع الثوري والأوزاعي ومالك سنة فيقول: إن السنة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وأيضاً هذا لا يعتبر إجماعاً؛ لأن الإجماع ما اجتمع عليه علماء الأمة قديماً وحديثاً، إجماعاً ظنياً أو سكوتياً، فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم بقول باجتهاد احتمل له.
والذي يخالف الإجماع يكون شاذاً.
يقول: فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة فلا يسمى مخالفاً للإجماع ولا للسنة، وإنما مراد إسحاق أنهم إذا اجتمعوا على مسألة فهو حق غالباً.
كما نقول اليوم: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق عليه أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها، فهذا على سبيل الغالب.
يعني: لو اجتمع هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم إسحاق وهم أئمة زمانهم فغالباً يكون هو الحق.
ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي: أن الفخذ ليست في الحمام عورة، وأنها في المسجد عورة.
وله مسائل كثيرة حسنة ينفرد بها، وهي موجودة في الكتب