للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صدع الأوزاعي بكلمة الحق]

عن أبي خليد عتبة بن حماد القارئ قال: حدثنا الأوزاعي قال: بعث عبد الله بن علي إلي، وقدمت فدخلت والناس صفان، فقال: ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه؟ يعني: عندما قامت الدولة العباسية قتل عبد الله بن علي كثيراً من أمراء بني أمية، وكان يجبر العلماء على أن يوافقوه على خروجه وأن يطعنوا في بني أمية، فأرسل إلى الأوزاعي فقال: ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه؟ قال: قلت: أصلح الله الأمير، قد كان بيني وبين داود بن علي مودة -يعني: أراد أن يهرب من السؤال- قال: لتخبرني، يقول: فتفكرت ثم قلت: لأصدقنه واستبسلت للموت، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وبيده قضيب ينكت به، ثم قال: يا عبد الرحمن! ما تقول في قتل أهل هذا البيت؟ قلت: حدثني محمد بن مروان عن مطرف بن الشخير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل قتل المسلم إلا في ثلاث) وساق الحديث.

فقال: أخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك علي رضي الله عنه أحداً يتقدمه.

قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت: إن كانت لهم حلالاً فهي عليكم حرام، وإن كانت عليهم حراماً فهي عليكم أحرم.

يعني: إن كانوا نهبوها فلا يجوز لكم أن تنهبوها، وإن كانت عليهم حراماً فهي عليكم أحرم، فأمر بي فأخرجت.

قال الذهبي: وقد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً سفاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون من الظلم والعسف، ويقلبون له الباطل حقاً، قاتلهم الله، أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق.

وعن أبي الأسوار محمد بن عمر التنوخي قال: كتب المنصور إلى الأوزاعي أما بعد: فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقهم، فاكتب إليه بما رأيت فيه المصلحة مما أحببت.

فكتب إليه: أما بعد: فعليك بتقوى الله، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق، واعلم أن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تزيد حق الله عليك إلا عظماً، ولا طاعته إلا وجوباً.

وعن عبد الحميد بن بكار قال: حدثنا ابن أبي العشرين قال: سمعت أميراً بالساحل يقول: وقد دفنا الأوزاعي ونحن عند القبر، رحمك الله أبا عمرو! فلقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني.

يعني: أنه كان يخاف من هذا العالم أكثر من أمير المؤمنين الذي ولاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>