[عبادة الإمام الشافعي وزهده وورعه]
عبادته وزهده وورعه.
قال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت أتقى لله ولا أورع من الشافعي، ولا أحسن صوتاً منه بالقرآن.
وعن الحسين الكرابيسي قال: بت مع الشافعي ثمانين ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين، فكأنما جمع له الرجاء والرحمة معاً.
وعن بحر بن نصر قال: كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي نقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى تتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة من حسن صوته.
وعن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، يعني: الحديث، والثلث الثاني: يصلي، والثلث الثالث: ينام.
وعن حرملة قال: قال الشافعي: ما حلفت لله صادقاً ولا كاذباً.
وقال الحارث بن مسكين: أراد الشافعي الخروج إلى مكة فأسلم إلى قصارٍ -يعني: خياطاً- ثياباً بغدادية مرتفعة، فوقع الحريق فاحترق دكان القصار والثياب، فجاء القصار ومعه قوم، فتحمل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع إليه قيمة الثياب.
فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصار -يعني: هل يضمن ثمن ما ضاع عنده- ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئاً.
وعن الحارث بن شريح قال: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج يعني: بالحرير، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصره فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا، فقام الخادم فتبسم حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرض، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وهذا حرام، وهذا أحسن من ذلك وأكثر ثمناً، فتبسم الخادم وسكت.
وعن الربيع قال: قال عبد الله بن عبد الحكم للشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد -يعني: مصر- فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به.
فقال له الشافعي: يا أبا محمد من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد ولدت بغزة، وربيت بالحجاز، وما عندنا قوت ليلة وما بتنا جياعاً.
وقيل للشافعي: ما لك تدمن إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر، يعني: في الدنيا.
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: يا أبا موسى! أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه.
وعن الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي يا ربيع! عليك بالزهد، فللزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.
وعن عبد الله بن محمد البلوي قال: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من زهدهم وفصاحتهم وعلمهم، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباته فقال: بماذا تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء وما بلغ من فصاحتهم.
فقال عمر بن نباته: والله ما رأيت رجلاً قط أورع ولا أخشع ولا أفصح ولا أسمح ولا أعلم ولا أكرم ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي.