محنته رحمه الله وصدعه بالحق: عن داود عن أبيه قال: كنت مع سفيان الثوري فمررنا بشرطي نائم وقد حان وقت الصلاة، فذهبت أحركه فصاح سفيان فقال: مه! فقلت: يا أبا عبد الله يصلي، فقال: دعه لا صلى الله عليه، فما استراح الناس حتى نام هذا.
وعن عطاء بن مسلم قال: لما استخلف المهدي بعث إلى سفيان، فلما دخل خلع خاتمه فرمى به إليه، فقال: يا أبا عبد الله هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة، فأخذ الخاتم بيده وقال: تأذن في الكلام يا أمير المؤمنين؟! قال عبيد قلت لـ عطاء: يا أبا مخلد! قال له: يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: أتكلم على أني آمن؟ قال: نعم، قال: لا تبعث إليّ حتى آتيك، ولا تعطني شيئاً حتى أسألك، قال: فغضب من ذلك وهم به، فقال له كاتبه: أليس قد أمّنته يا أمير المؤمنين؟! قال: بلى، قال: فلما خرج حف به أصحابه فقالوا: ما منعك يا أبا عبد الله وقد أمر أن تعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة، قال: فاستصغر عقولهم ثم خرج هارباً إلى البصرة.
وروى ابن سعد في الطبقات قال: وطُلب سفيان فخرج إلى مكة، فكتب المهدي أمير المؤمنين إلى محمد بن إبراهيم وهو على مكة يطلبه، فبعث محمد إلى سفيان فأعلمه بذلك، وقال: إن كنت تريد إتيان القوم فاظهر حتى أبعث بك إليهم، وإن كنت لا تريد ذلك فتوار، قال: فتوارى سفيان، وطُلب من محمد بن إبراهيم وأمر منادياً فنادى بمكة: من جاء بـ سفيان فله كذا وكذا، فلم يزل متوارياً بمكة لا يظهر إلا لأهل العلم ومن لا يخافه، قالوا: فلما خاف سفيان بمكة من الطلب خرج إلى البصرة فقدمها، فنزل قرب منزل يحيى بن سعيد القطان فقال لبعض أهل الدار: أما قُربكم أحداً من أهل الحديث؟ قالوا: بلى يحيى بن سعيد قال: جئني به، فأتاه به، فقال: أنا هنا منذ ستة أيام أو سبعة، فحوّله يحيى إلى جواره بينه وبينه بابٌ، وكان يأتي بمحدثي أهل البصرة يسلمون عليه ويسمعون منه الحديث، فكان فيمن أتاه جرير بن حازم والمبارك بن فضالة وحماد بن سلمة ومرحوم العطار وحماد بن زيد وغيرهم، وأتاه عبد الرحمن بن مهدي ولزمه، فكان يحيى وعبد الرحمن يكتبان عنه تلك الأيام، وكلّم أبا عوانة أن يأتيه فأبى، وقال: رجل لا يعرفني كيف آتيه.
وذلك أن أبا عوانة سلّم عليه بمكة فلم يرد عليه سفيان السلام -ولعله شك فيه أو كأنه لا يعرفه- وكُلم في ذلك فقال: لا أعرفه، ولما تخوّف سفيان أن يشهر بمقامه بالبصرة قرب يحيى بن سعيد قال له: حوّلني من هذا الموضع، فحوّله إلى منزل الهيثم بن منصور الأعرجي من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، فلم يزل فيهم فكلمه حماد بن زيد في تنحيه عن السلطان وقال: هذا فعل أهل البدع، وما نخاف منهم؟ فأجمع سفيان وحماد أن يقدما بغداد.