[الحسن البصري وفتنة ابن الأشعث]
يبدو أن الحسن البصري رحمه الله كان معارضاً للخروج على الحجاج مع ابن الأشعث، ولكنهم ما زالوا به حتى أكرهوه على الخروج معهم، ثم نجاه الله عز وجل بفضله ورحمته، وكاد أن يهلك، وهذه جملة من أخباره رحمه الله تنبئ بذلك: عن سليمان بن علي الربعي قال: لما كانت فتنة ابن الأشعث، إذ قاتل الحجاج بن يوسف، انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نظرائهم، فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد! ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟! قال: وذكروا من فعل الحجاج، قال: فقال الحسن: أرى ألا تقاتلوه، فإنها إن تك عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم.
يعني: إذا أراد الله عز وجل أن يعاقبكم به فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم.
قال: وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
قال: فخرجوا من عنده وهم يقولون: نطيع هذا العلج؟! يعني: الأعجمي؛ لأن أصله مولى وليس عربياً أصيلاً، وهم عرب، فقالوا: نطيع هذا العلج؟! قال: وهم قوم عرب.
قال: وخرجوا مع ابن الأشعث، فقتلوا جميعاً.
وعن الحسن قال: لو أن الناس إذ ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يفرج عنهم، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فوالله! ما جاءوا بيوم خير قط.
وهذه عادة الخروج على الحكام غالباً لا يجنى منها إلا الدماء والأشلاء، ولا يكون فيها مصلحة للإسلام والمسلمين، والدارس لتاريخ الإسلام يرى أمثال هذه الفتنة كثيراً، ولا ينتج عنها عز الإسلام.
وعن أيوب قال: قيل لـ ابن الأشعث: إن سرك أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول جمل عائشة فأخرج الحسن، فأرسل إليه فأكرهه.
وعن ابن عون قال: استبطأ الناس أيام ابن الأشعث، فقالوا له: أخرج هذا الشيخ، يعني: الحسن، قال ابن عون: فنظرت إليه بين الجسرين وعليه عمامة سوداء، قال: فغفلوا عنه فألقى نفسه في بعض تلك الأنهار حتى نجا منهم، وكاد يومئذ أن يهلك.
يعني: كأنهم أخذوه جبراً ليكون معهم؛ حتى ينضم الناس معه إذا رأوا الحسن، ثم هرب منهم.
وعن سلم بن أبي الذيال قال: سأل رجل الحسن وهو يسمع وأناس من أهل الشام، فقال: يا أبا سعيد! ما تقول في الفتن مثل يزيد بن المهلب وابن الأشعث؟ فقال: لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فقال رجل من أهل الشام: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟! فغضب، ثم قال بيده فخطر بها، ثم قال: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ نعم، ولا مع أمير المؤمنين.
فظاهر الكلام أنه لا يكون مع الذين خرجوا ولا مع جند الحجاج، يعني: يعتزل الفريقين، فقال: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد؟ فغضب وقال: ولا مع أمير المؤمنين.
وعن ابن عون قال: كان مسلم بن يسار أرفع عند أهل البصرة من الحسن، حتى خف مع ابن الأشعث، فلم يزل في علو منها بعد، وسقط الآخر.
يعني: لما انضم مسلم بن يسار لـ ابن الأشعث خف ولم يخف الحسن، فصار الحسن في علو وسقط الآخر.