عن عبيد الله بن عمرو أن ابن هبيرة ضرب أبا حنيفة مائة سوط وعشرة أسواط في أن يلي القضاء فأبى، وكان ابن هبيرة عامل مروان على العراق في زمن بني أمية.
وعن يحيى بن عبد الحميد عن أبيه قال: كان أبو حنيفة يخرج كل يوم -أو قال: بين الأيام- فيضرب ليدخل في القضاء فأبى، ولقد بكى في بعض الأيام، فلما أطلق قال لي: كان غم والدتي أشد علي من الضرب، فهو يبكي؛ لأنه يعلم أن والدته في غم من أجل أنه يضرب.
وعن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء وحلف ليلين فأبى، وحلف: إني لا أفعل، فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف، فقال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فهو أغنى مني يمكن أن يكفر عن يمينه، فأمر به إلى السجن فمات فيه ببغداد.
وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي فقال: يا شيخ إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل فيقول لي: اقتله أو اقطعه -يعني: اقطع يده- أو اضربه ولا أعلم بقصته فماذا أفعل؟ فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب أو بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب، قال: فبادر إلى الواجب.
وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: لا أصلح، قال: كذبت، قال: قد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح إن كنت كاذباً، فإن كنت صادقاً فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه.
وروى نحوها إسماعيل بن أويس عن الربيع الحاجب وفيها قال أبو حنيفة: والله ما أنا بمأمون الرضا، فكيف أكون مأمون الغضب فلا أصلح لذلك؟ قال المنصور: كذبت بل تصلح، فقال: كيف يحل أن تولي من يكذب؟ وقيل: إن أبا حنيفة ولي القضاء، فقضى قضية واحدة، وبقي يومين ثم اشتكى ستة أيام وتوفي.
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء فضرب وحبس ومات بالسجن.