[اتباع الأوزاعي للسنة]
عن العباس بن الوليد قال: حدثني أبي قال: سمعت الأوزاعي يقول: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي، وأنت على طريق مستقيم.
هذه عدة آثار تدل على اتباعه للسنة، وإنما يعظم شأن الإنسان إذا عظم شرع الله، وإذا عظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من هان عليه الشرع أهانه الله عز وجل: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].
فكان الأوزاعي يقول: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي، وأنت على طريق مستقيم.
وعن بقية بن الوليد وهو أيضاً من علماء الشام، وكان مشهوراً بتدليس التسوية، كما قال بعضهم: أحاديث بقية غير نقية، فكن منها على تقية.
وليس معنى أنه مدلس أنه وضاع أو أنه كذاب أو ضعيف، ولكن كما قال الشافعي في الرسالة: من دلس لنا مرة فقد أبان عن عورته في الرواية، فلا نقبل منه إلا تصريحاً بالسماع، ومن يثبت عنه تدليس التسوية لا بد أن يكون هناك تصريح بالسماع في كل السند؛ لأنه لا يؤمن أن يكون طوى ضعيفاً بين ثقتين.
عن بقية بن الوليد قال: قال لي الأوزاعي: يا بقية لا تذكر أحداً من أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم إلا بخير.
يا بقية العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما لم يجئ عنهم فليس بعلم.
يعني: أن العلم هو علم الكتاب والسنة بفهم الصحابة الذين هم سلف الأمة.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه.
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه.
فالعلم ما جاءنا من قبل الصحابة؛ لأنهم هم الذين نقلوا لنا الكتاب والسنة، وأيضاً نفهم الكتاب والسنة بفهم الصحابة رضي الله عنهم.
وعن بقية بن الوليد قال: قال الأوزاعي: لا يجتمع حب علي وعثمان رضي الله عنهما إلا في قلب مؤمن.
لأنه وجد الشيعة، وفي مقابلهم النواصب، فالشيعة تشيعوا لـ علي وآل البيت، ونصبوا العداوة للصحابة، والنواصب تشيعوا للصحابة ونصبوا العداوة لآل البيت.
ولكن المؤمن الذي يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع في قلبه حب علي وحب عثمان رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة.
وعن محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي يقول: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.
وعن أبي إسحاق الفزاري قال: قال الأوزاعي: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم القول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية وموافقة السنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين.
يعني: صدق من قال: ما يتكلم الأوزاعي بكلمة إلا احتاج من يسمعها إلى إثباتها.
وعن الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فقلت: بفضلك أي ربي، ثم قلت: يا رب أمتني على الإسلام، فقال: وعلى السنة.
ورؤية الله عز وجل في المنام جائزة، لأنها ليست رؤيا بالبصر، وإنما هي رؤية قلبية.