عن يحيى بن أكثم قال: صحبت وكيعاً في الحضر والسفر، وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة، وقد علق الذهبي على ذلك، فالإمام الذهبي مؤرخ حافظ، وهو يعلق على الأخبار، إما أن يزكيها وإما أن يبين ما فيها من مخالفات للسنة أحياناً، فقال: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر.
وبعض العلماء قال: إن النهي عن صوم الدهر يدخل فيه صيام الأيام كلها مع العيدين وأيام التشريق، فنهي عن صوم الدهر من أجل ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أحب الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، فهذا يدل على أن أفضل الصيام أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً.
يقول: وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام.
وبعض العلماء خصص في رمضان أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام، وروي أن الإمام الشافعي كان يختم في رمضان ستين ختمة.
قال: والدين يسر ومتابعة السنة أولى.
وعن يحيى بن أيوب قال: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه: أن وكيعاً كان لا ينام حتى يقرأ جزأه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم من آخر الليل، فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر.
وعن أحمد بن سنان قال: رأيت وكيعاً إذا قامت الصلاة ليس يتحرك منه شيء، لا يزول ولا يميل عن رجل دون الأخرى.
وعن سفيان بن وكيع قال: كان أبي يجلس لأصحاب الحديث من بكرة إلى ارتفاع النهار من الفجر ثم ينصرف فيقيل، ثم يصلي الظهر ويقصد الطريق منها إلى المشرعة التي يصعد منها أصحاب الروايا، فيريحون نواضحهم -الناضح: الجمل- فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرائض إلى حدود العصر.
وهذا نوع من التواضع ونوع من التقرب إلى الله، قال: ثم يرجع إلى مسجده فيصلي العصر، ثم يجلس يدرس القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل منزله فيقدم له الإفطار؛ لأنه كان يصوم الدهر، وكان يفطر على عشرة أرطال من الطعام -أي: أربعة كيلو من الأطعمة تقريباً- ثم تقدم إليه قربة فيها نحو عشرة أرطال من نبيذ، فيشرب منها ما طاب له على طعامه، ثم يجعلها بين يديه، ثم يقوم فيصلي ورده من الليل، كلما صلى شيئاً شرب منها حتى ينفذها، ثم ينام.