إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فما زلنا بحمد الله تعالى سعداء بصحبة الركب المبارك أعلام السلف، وعالمنا وعلمنا في هذه الترجمة إمام مبارك من أئمة أتباع التابعين، ومن علماء الشام الغر الميامين، جمع العلم والأدب، والعبادة والخشية، فكان لا يهاب الملوك الجبابرة، وتهابه الملوك لقوته في الحق، وعدم مداهنته للخلق، فما أحوج الطلاب والعلماء إلى معرفة سيرته والانتفاع ببركته، ونكتفي في هذه المقدمة بما ذكره الحافظ الذهبي في سيره عن العباس بن الوليد قال: فما رأيت أبي يتعجب من شيء في الدنيا تعجبه من الأوزاعي، فكان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء، كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر أمه، تنقله من بلد إلى بلد، وقد بلغ حكمك فيه أن بلغته حيث رأيته.
يا بني! عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه، ما سمعت كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه.
يعني: ما تكلم بكلمة خير إلا احتاج من يستمع إليها إلى إثباتها.
ثم قال: ولا رأيته ضاحكاً قط حتى يقهقه، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول في نفسي: أترى في المجلس قلباً لم يبك.
فرحم الله الأوزاعي وسائر أئمة المسلمين، وجمعنا بهم في عليين، والحمد لله رب العالمين.