الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه، أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام، فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً، فهذا عدله وحكمته، وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء، فسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال:٤٢].
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه، كما وحد الله عز وجل وعرفنا به ودعا إليه، وسلم تسليماً.
أما بعد: فنحن في هذه الترجمة من سلسلة أعلام السلف المباركة مع إمام من أئمة التابعين من أهل اليمن، (الإيمان يمان والحكمة يمانية)، إنه طاوس بن كيسان من تلامذة ابن عباس رضي الله عنهما.
وقيل: سمي طاوساً لأنه كان طاوس القراء، وكان من أزهد الناس وأورعهم وأشدهم على الحكام الجائرين، فرحم الله أئمتنا وجمعنا بهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
اسمه: طاوس بن كيسان اليمني الحميري مولى بحير بن كريسان الحميري من أبناء فارس.
وقال أبو حاتم بن حبان وأبو بكر بن منجويه: كانت أمه من أبناء فارس وأبوه من واسط، وقيل: اسمه ذكوان وطاوس لقبه.
وروي عن يحيى بن معين قال: سمي طاوساً؛ لأنه كان طاوس القراء.
مولده: قال الذهبي: أراه ولد في دولة عثمان رضي الله عنه أو قبل ذلك.
صفته: قال جرير بن حازم: رأيت طاوساً يخضب بحناء شديد الحمرة.
وقال فطر بن خليفة: كان طاوس يصبغ بالحناء.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي: رأيت طاوساً وبين عينيه أثر السجود.