إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
ثم أما بعد: فمع السلسلة المباركة من أعلام السلف والفارس في هذه الجولة إمام من أئمة المسلمين اشتهر بالعبادة وكثرة البكاء من خشية الله، وكان كاسمه بالطاعة سعيداً، ونرجو أن يكون عند الله شهيداً، فقد كان ولياً من أولياء الله الصالحين مستجاب الدعوة.
عن أصبغ بن زيد قال: كان لـ سعيد بن جبير ديك كان يقوم من الليل بصياحه، قال: فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته? فما سُمع له صوت بعد.
فقالت أمه: لا تدع على شيء بعدها.
عذّبه الحجاج حتى قتله، وكان يمكن أن يدعو على الحجاج فلم يفعل، ودعا أن يكون آخر من يقتله الحجاج فأهلك الله الحجاج وأراح البلاد والعباد من شره، وكان ذلك بعد مقتل سعيد بمدة يسيرة.
كان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن إذا سأله أحد من أهل الكوفة يحيل عليه ويقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ إنه السعيد الذي بكى بالليل حتى عمش، تابع ابن الأشعث عندما خرج على الحجاج، ودعا الناس إلى قتال الحجاج لجوره وتجبره، وإماتة الصلاة واستذلال المسلمين، فلما انهزم ابن الأشعث فر سعيد بن جبير إلى مكة وظل مختفياً اثنتي عشرة سنة، ثم ظفر به الحجاج في السنة التي هلك فيها؛ لما أراده الله عز وجل للحجاج الثقفي -لعنة الله على الظالمين- من سوء الخاتمة، وكذا لسوق السعادة والشهادة لـ ابن جبير، فقتله أشنع قتلة، وهو صابر محتسب راغب في فضل الله عز وجل والجنة، فنسأل الله عز وجل أن يرفعه فوق كثير من خلقه لصبره وعبادته، وبذله وشهادته، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين.