للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ورع الإمام ابن سيرين رحمه الله]

قال الخطيب البغدادي: وكان محمد أحد الفقهاء من أهل البصرة، والمذكورين بالورع في وقته.

وعن مورق العجلي قال: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين.

وقال أبو قلابة: اصرفوه حيث شئتم، فلتجدنه أشدكم ورعاً، وأملككم لنفسه.

وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال، فقال ابن سيرين: لا والله لا أعينك على خيانة السلطان.

وعن ابن عون قال: قال محمد في شيء راجعته فيه: إني لم أقل: ليس به بأس، وإنما قلت: لا أعلم به بأساً.

وعن جرير بن حازم قال: سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلاً فقال: ما رأيت الرجل الأسود؟ ثم قال: أستغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبت الرجل.

وعن طلق بن وهب الطاحي قال: دخلت على محمد بن سيرين وقد كنت اشتكيت، فقال: ائتِ فلاناً فاستوصفه -يعني: اطلب منه وصفة أو علاجاً- فإنه حسن العلم بالطب، ثم قال: ولكن ائت فلاناً فإنه أعلم منه، ثم قال: أستغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبته.

والغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكره.

والإنسان ينبغي له أن يستحضر ما يذكر به أخاه، فإن كان يكره ما يذكره به كان ذلك من الغيبة، فـ ابن سيرين رحمه الله بعدما قال: ائت فلاناً فاستوصفه فإنه حسن العلم بالطب، ثم قال: ولكن ائت فلاناً، فلو أن الأول سمع ذلك لكرهه.

وقال بكر بن عبد الله المزني: من أراد أن ينظر إلى أورع من أدركنا فلينظر إلى محمد بن سيرين.

وعن يونس بن عبيد قال: لم يكن يعرض لـ محمد أمران في ذمته إلا أخذ بأوثقهما.

وعن عمارة بن مهران قال: كنا في جنازة حفصة بنت سيرين فوضعت الجنازة، ودخل محمد بن سيرين صهريجاً يتوضأ فقال الحسن: أين هو؟ قالوا: يتوضأ، صباً صباً، دلكاً دلكاً، عذاب على نفسه وعلى أهله.

وقال هشام بن حسان: كان محمد يتّجر فإذا ارتاب في شيء تركه.

وعن المدائني قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة فقال: الفأرة كانت بالمعصرة.

الفأرة وقعت في الزيت فماتت فتنجس الزيت، فصب الزيت كله.

وكان يقول: عيرت رجلاً بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به، وكانوا يرون أنه عير رجلاً بالفقر فابتلي به.

وعن ميمون بن مهران قال: قدمت الكوفة وأنا أريد أن أشتري البز، فأتيت ابن سيرين بالكوفة فساومته، فجعل إذا باعني صنفاً من أصناف البز قال: هل رضيت؟ فأقول: نعم، فيعيد ذلك علي ثلاث مرات، ثم يدعو رجلين فيشهدهما، ولا يشتري ولا يبيع بهذه الدراهم الحجاجية -نسبة إلى الحجاج - فلما رأيت ورعه ما تركت شيئاً من حاجتي أجده عنده إلا اشتريته حتى لفائف البز.

<<  <  ج: ص:  >  >>