[سخاء الليث بن سعد]
عن حرملة بن يحيى قال: سمعت ابن وهب يقول: كتب مالك إلى الليث: إني أريد أن أدخل ابنتي على زوجها، فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر.
قال ابن وهب: فبعث إليه بثلاثين جملاً عصفراً، فصبغ منه لابنته وباع منه بخمسمائة دينار.
والدينار عملة ذهبية.
وعن أسد بن موسى قال: كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية فيقتلهم، فلما دخلت مصر دخلتها في هيئة رثة يعني: مستنكراً حتى لا يعرفه أحد.
قال: فدخلت على الليث بن سعد فلما فرغت من مجلسه خرجت، فتبعني خادم له في دهليزه فقال: اجلس حتى أخرج إليك، فجلست، فلما خرج إلي وأنا وحدي دفع إلي صرة فيها مائة دينار، فقال: يقول لك مولاي: أصلح بهذه النفقة بعض أمرك، ولم من شعثك، وكان في حوزتي هيمان -ما يجعله الحاج في وسطه- فيه ألف دينار، فأخرجت الهيمان فقلت: أنا عنها في غنى استئذن لي على الشيخ، فاستأذن لي فدخلت عليه، فأخبرته بنسبي واعتذرت إليه من ردها، وأخبرته بما مضى.
فقال: هذه صلة وليست بصدقة فقلت: أكره أن أعود نفسي عادة وأنا في غنى.
فقال: ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقاً لها، فلم يزل بي حتى أخذتها ففرقتها على جماعة.
وعن يحيى بن بكير قال: سمعت أبي يقول: وصل الليث بن سعد ثلاثة أنفس بثلاثة آلاف دينار، احترقت دار ابن لهيعة فبعث إليه بألف دينار.
كان قاضياً من قضاة مصر صدوقاً، قيل: إنه كان سيئ الحفظ من بداية أمره، ولما احترقت داره واحترقت كتبه صار يحدث من حفظه، وكان ضبطه ضبط كتاب وليس ضبط حفظ، فوهم كثيراً، فما روي عنه قبل احتراق داره فهو صحيح، وما روي عنه بعد احتراق داره فهو ضعيف، فمن الذين رووا عنه قبل احتراق كتبه عبد الله بن وهب قاضي مصر، وعبد الله بن مبارك محدث خراسان.
قال: وحج فأهدى إليه مالك بن أنس رطباً على طبق، فرد إليه في الطبق ألف دينار، ووصل منصور بن عمار القاضي بألف دينار وقال: لا تسمع بهذا بني فتهون عليهم، فوصل ثلاثة أنفس كل نفس بألف دينار.
وقال قتيبة: كان الليث يركب في جميع الصلوات إلى الجامع، ويتصدق كل يوم على ثلاثمائة مسكين.
وعن عبد الله بن صالح قال: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع ناس، وكان لا يأكل إلا بلحم إلا أن يمرض.
قال قتيبة: وجاءت امرأة إلى الليث فقالت: يا أبا الحارث! إن ابناً لي عليل -يعني: مريض- واشتهى عسلاً، فأعطاها مرطاً من عسل، والمرط: عشرون ومائة رطل.