[قصة خروج الإمام الشعبي مع القراء على الحجاج واعتذاره إليه]
قصة خروجه مع القراء على الحجاج واعتذاره إليه: قال الذهبي: خرج القراء وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج لظلمه، وتأخير الصلاة، والجمع في الحضر، وكان ذلك مذهباً واهياً لبني أمية، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (يكون عليكم أمراء يميتون الصلاة)، فخرج على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي وكان شريفاً مطاعاً، وجدته أخت الصديق فالتف على مائة ألف أو يزيدون، وضاقت على الحجاج الدنيا، وكاد أن يزول ملكه، وهزموه مرات، وعاين التلف وهو ثابت مقدام إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الأشعث، وقُتل خلق كثير من الفريقين، فكان من ظفر به الحجاج منهم قتله إلا من باء منهم الكفر على نفسه فيدعه.
عن مجالد عن الشعبي قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفاً، فجعلني عرّيفاً على قومي الشعبيين ومنكباً -يعني رأساً- على جميع همدان، وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة فقالوا: يا أبا عمرو إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء، فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الخبيث؟ أما لئن أمكنني الله منه لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل -يعني: جلد جمل-، قال: فما لبثنا أن هزمنا فجئت إلى بيتي وأغلقت علي، فمكثت تسعة أشهر، فنُدب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم فقال: أنا لها، فعُقد له على خراسان، فنادى مناديه من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن، فاشترى مولى لي حماراً وزودني، ثم خرجت فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة -وهي مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان- فجلست ذات يوم وقد برق -أي: تحيّر قتيبة بن مسلم - فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير عندي علم ما تريد، فقال: من أنت؟ قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذلك، فعرف أني ممن يخفي نفسه، فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة، قلت: لا تحتاج إلى ذلك، فجعلت أملي عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح.
قال: فحملني على بغلة -يعني: أعطاه بغلة- وأرسل إلي بسرق من حرير، وكنت عنده بأحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت إلى كتابي هذا فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك قطعت يدك على رجلك وعزلتك.
قال: فالتفت إلي وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض.
فهو أراد أن يخفي أمره، وطلب من الشعبي أن يختفي وكأنه ما رآه.
ثم قال: فوالله لأحلفن له بكل يمين، فقلت: أيها الأمير! إن مثلي لا يخفى.
فقال: أنت أعلم.
قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه ثم أدخلوه على الحجاج، فلما دنوت من واسط استقبلني ابن أبي مسلم فقال: يا أبا عمرو! إني لأضن بك عن القتل، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وكذا، فلما أُدخلت عليه ورآني قال: لا مرحباً ولا أهلاً، جئتني ولست في الشرف من قومك ولا عريفاً، فقلت: وفعلت، ثم خرجت علي وأنا ساكت.
فقال: تكلم؟ فقلت: أصلح الله الأمير، كل ما قلته حق، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا الخوف، ولم نكن في ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة.
قال: قد فعلت ذلك.
يعني: هو عرّض بكلام وما قال باطلاً، فهو نوع من المداراة، وليس من المداهنة، لأن المداراة لا تكون على حساب الحق أو الشرع، فقال له: اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا الخوف، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي.
وعن عبادة بن موسى عن الشعبي قال: أُتي بي الحجاج موثقاً، فلما انتهيت إلى باب القصر لقيني يزيد بن أبي مسلم فقال: إنا لله يا شعبي لما بين دفتيك من العلم، وليس بيوم الشفاعة، بؤ للأمير بالشرك والنفاق على نفسك، فبالحري أن تنجو.
ولقيني محمد بن الحجاج وقال لي مثل مقالة يزيد.
فلما دخلت عليه قال: وأنت يا شعبي فيمن خرج علينا وكثر! فقلت: أصلح الله الأمير أحزن بنا المنزل -يعني: ضاق- وأجدب بنا الجناب، وضاق المسلك، واكتحلني السهر، واستحلسنا الخوف، ووقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء.
قَال: صدق والله ما بروا في خروجهم علينا، ولا قووا علينا حيث فجروا، فأطلقوا عنه.
قال: فاحتاج إلي في فريضة -أي: مسألة من المواريث- فقال: ما تقول في أخت وأم وجد؟ قلت: اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان بن عفان و