إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فما زلنا -بحمد الله- في صحبة العلماء الكرام من أئمة الدين، والعلماء العاملين في هذه السلسلة المباركة من أعلام السلف.
وهذه الجولة مع إمام من أئمة الحديث، من صغار التابعين، انتهت إليه رئاسة الحديث، إنه شيخ مالك والليث وابن أبي ذئب والسفيانين وغيرهم من أئمة أتباع التابعين.
إنه الإمام الزهري، وناهيك به علماً وفضلاً وشرفاً! قال أبو نعيم رحمه الله: ومنهم العالم السوي، والراوي الروي: أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، كان ذا عز وسناء، وفخر وسخاء.
لازم سعيد بن المسيب سيد التابعين، ومست ركبته ركبته ثمان سنين، وتردد على عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد وغيرهم من أئمة التابعين، وكان آية في الحفظ والذكاء، فنهل من علومهم، حتى قال له سعيد بن المسيب: من مات وترك مثلك لم يمت.
ساق الله عز وجل له أسباب الشرف والعز في الدنيا والآخرة، فكان كثير المال، عظيم السخاء، له رتبة وشرف في دولة بني أمية، وكان أول من دون الحديث بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان يتردد بين الشام والحجاز.
قال أبو بكر الذهلي: قد جالست الحسن وابن سيرين فما رأيت أحداً أعظم منه.
يعني: الزهري.
والحسن وابن سيرين أعلى منه طبقة وأكبر منه سناً، ولكن العلم منايح، والله يختص بفضله ورحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.