إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فمع أحد العلماء العاملين، والأئمة التابعين، الإمام الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء، تشرب بالعلم حتى نطق بالحكمة، وصفه أبو نعيم فقال: ومنهم حليف الخوف والحزن، أليف الهم والشجن، عديم النوم والوسن، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن، الفقيه الزاهد، المشمر العابد، كان لفضول الدنيا وزينتها نابذاً، وشهوة النفس ونخوتها واقذاً.
ووصفه الزهري فقال: مناقبه كثيرة، ومحاسنه غزيرة، كان رأساً في العلم والحديث إماماً مجتهداً كثير الاطلاع، رأساً في القرآن وتفسيره، رأساً في الوعظ والتذكير، رأساً في الحلم والعبادة، رأساً في الزهد والصدق، رأساً في الفصاحة والبلاغة، رأساً في الأيد والشجاعة.
كان رجلاً مليحاً تام الشكل حسن الصورة، طال عمره في العلم والعمل، فقال ابنه: عاش أبي ثماني وثمانين سنة.
عصمه الله عز وجل من الفتن، فلم يخف في فتنة ابن الأشعث، وسلك مسلك الورع، فكان ينهى عن الانضمام إليه، وكذا إلى جيش الحجاج، فأمر باعتزال الجميع، وهذا هو الواجب على المسلم في الفتن.
وكان يرى الحجاج الثقفي عقوبة من الله عز وجل، ومع ذلك يدعو إلى اللجوء إلى الله عز وجل وعدم اللجوء إلى السلاح؛ فإنهم إذا لجئوا إلى الله عز وجل جعل لهم من ظلم الظالمين فرجاً ومخرجاً، وإذا لجئوا إلى السلاح والخروج عليهم وكلوا إليه، فلا يغني عنهم شيئاً، فما أحوج المسلمين إلى معرفة أخباره والانتفاع بآثاره! الحسن البصري كان يشبه الأنبياء في سمته وهيئته، وحسنه، وحسن كلامه.