[براعة الإمام الشافعي في التصنيف وبركة مصنفاته]
براعته في التصنيف وبركة مصنفاته: الشافعي رحمه الله أول من صنف في أصول الفقه وأحكام القرآن، وقد تسابق العلماء والأكابر على اقتناء مصنفاته والاستفادة منها، وأعظم كتبه كتاب (الرسالة) وهي موجودة الآن بتحقيق أحمد شاكر، وأسلوب الرسالة في غاية السهولة واليسر والفصاحة، فهي على سهولة لفظها كثيرة المعاني عظيمة المباني، شاهدة برجاحة عقله وكمال بصيرته.
وعن أبي ثور قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن والأخبار وحجة الإجماع والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب (الرسالة).
قال عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها.
وعن المزني قال: قرأت كتاب الرسالة للشافعي (٥٠٠) مرة، ما من مرة منها إلا واستفدت منها فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى.
والمفروض أن طالب العلم يقرأ كتب العلم في كل فترة من أجل أن يستفيد أكثر وأكثر.
وعن محمد بن مسلم بن واره قال: قدمت من مصر فأتيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل أسلم عليه فقال: كتبت كتب الشافعي قلت: لا، قال: فرطت، ما علمنا المجمل من المفصل، ولا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه حتى جالسنا الشافعي قال: فحملني ذلك إلى أن رجعت إلى مصر وكتبتها ثم قدمت.
وعن أحمد بن مسلمة النيسابوري قال: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل بعد وفاته عنده كتب الشافعي من أجل كتب الشافعي؛ لأن الكتب لم تكن متوفرة كما هو الآن، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير.
وقال أبو بكر الصومعي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب الحديث لا يشبع من كتب الشافعي.
وقال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا في العلم فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي، كأن لسانه ينظم الدرر.
قال العلامة أحمد شاكر: فكتبه كلها مثل رائعة من الأدب العربي النقي، في الذروة العليا من البلاغة، يكتب على سجيته وعلى فطرته ولا يتكلف ولا يتصنع، أفصح نثر تقرؤه بعد القرآن والحديث، لا يساميه قائل، ولا يدانيه كاتب.
وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: أريت في المنام كأن آتياً أتاني فحمل كتبي وبثها في الهواء فتطايرت، فاستعبرت بعض المعبرين فقال: إن صدقت رؤياك لم يبق بلد من بلاد الإسلام إلا ودخله علمك.