للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

باب أبي جَندَل

١٤٠١ - أبو جَندَل، ويقال: أبو يَزِيد سُهَيل بن عَمرو بن عبد شَمس بن عبد وَدِّ بن نَصر بن مالِك بن حِسل بن عامِر بن لُؤَي بن غالِب بن فِهر بن مالِك بن النَّضر بن كِنانَة، القُرَشِي:

له صُحبَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وكان عاقلاً شريفًا.

خرج إلى حُنَين وهو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على شِركِة، حَتَّى أَسلَمَ بالجِعرانَة.

مات بالشام في طاعون عَمَواس سنة ثماني عشرة.

أخبرنا أبو العباس الثَّقَفِي، حدثنا محمد بن الصَّباح، أخبرنا سُفيان، قال بعض مشيختنا: جاء أبو جَندَل إلى خالِد بن الوَلِيد في جماعة من الناس، فأسر إليه، فأعرض عنه، فقام إليه بِلَال، فَقالَ: يا خالِد، أيكلمك أبو جَندَل، فتعرض عنه، فلما سمع ذَلِكَ أبو جَندَل قام، فَقالَ: ألا إن أبا جَندَل شرب في الإسلام شربة خمر لم يشربها قبل ولا بعد منذ أَسلَم غيرها، فأراد أن يكون شينها وعارها وعقوبتها في الدنيا، قال: وهو سُهَيل بن عَمرو. /١١٤ ب/

أخبرنا أبو العباس الثَّقَفِي، قال: قال عُمَر بن المُبارَك: مات أبو جَندَل سُهَيل بن عَمرو في طاعون عَمَواس.

هكذا أخبرناه الثَّقَفِي، على حسب ما أخرجته في "التاريخ"، في قصة سُهَيل بن عَمرو. ولست أرى حكاية سُفيان عن بعض مشيخته وكنية الثَّقَفِي إياه حكاية عن غيره، أَعنِي أبا جَندَل لسُهَيل بن عَمرو إلا وهمًا.

وأبُو جَندَل هو: عبد الله بن سُهَيل بن عَمرو، شَهِدَ بَدرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

وهو الَّذِي قال سُهَيل بن عَمرو زمن الحُدَيبِيَة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لما صالِحوه على أن لا يأتيه منهم رجل إلا رده إليهم: هَذا أَوَّلُ مَن أُقاضيكَ أَن تَرُدَّهُ إليَّ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنا لَم نَقضِ الكِتابَ بَعدُ، قالَ: فَواللهِ إذًا لا نُصالِحكَ عَلَى شَيءٍ أَبَدًا، قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَأَجِزهُ لِي قالَ: ما أَنا مُجِيزُهُ لَكَ، قالَ: "بَلَى فافعَل قالَ: ما أَنا بِفاعِلٍ، فَقالَ

⦗٢١٤⦘

مِكرَزُ بن حَفص: بَلَى، قَد أَجَزناهُ، فرده إليهم، ثم انفَلَتَ منهم، ولحق بأبي بَصِير مع عصابة يعترضون لعِيرِ قُرَيش ويقتلونهم ويأخذون أموالهم، حَتَّى أرسلت قُرَيش إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يناشدوه الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إليهم، وأبو جَندَل، الَّذِي طلب الأمان لأبيه سُهَيل بن عَمرو يوم فتح مَكَّة، فأجابه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلى ملتمسه فيه.

أخبرنا بصحة ما ذكرته أبو بَكر محمد بن إِسحاق بن خُزَيمَة، حدثنا محمد بن مَعمَر القَيسِي، حدثنا رَوح، يَعنِي ابن عُبادَة، حدثنا صالِح بن أبي الأَخضَر، قال: أَخبَرَنِي ابن شِهاب، قال: أَخبَرَنِي عُروَة، يَعنِي ابن الزُّبَير، أنه سمع مَروان بن الحَكَم، والمِسوَر بن مَخرَمَة يخبران: "أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لما كاتب سُهَيل بن عَمرو يوم الحُدَيبِيَة على قضية المدة، كان فيما اشترط سُهَيل بن عَمرو: أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه، وأَبَى سُهَيل أن يُقاضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى (١) ذَلِكَ، فَكَرِه المُؤمِنُونَ ذَلِكَ، وامتَعَضُوا مِنهُ، وَتَكَلَّمُوا، فَلَما أَبَى سُهَيل أن يُقاضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا على ذَلِكَ، كاتبه رسول الله على ذلك، فَرَدَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أبا جَندَل بن سُهَيل يومئذ إلى أبيه سُهَيل بن عَمرو، ولم يأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أحد من الرِّجال إلا رده في تلك المدة".

وأخبرنا محمد بن إِسحاق بن خُزَيمَة أبو بَكر (٢)، حدثنا محمد بن يَحيَى، قال: حدثنِي أبو صالِح، قال: حدثنِي اللَّيث، قال: حدثنِي عُقَيل، عن ابن شِهاب، قال: فأَخبَرَنِي عُروَة بن الزُّبَير، أنه سمع مَروان بن الحَكَم، والمِسوَر بن مَخرَمَة يخبران عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لما كاتب سُهَيل بن عَمرو يومئذ كان فيما اشترط سُهَيل بن عَمرو عَلَى رَسُولِ اللهِ (٣) صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه لا يأتيك منا أحد وإن

⦗٢١٥⦘

كان على دينك إلا رددته إلينا فخليت بيننا وبينه، فكره المُؤمِنون ذَلِكَ، وأَبَى سُهَيل إلا ذَلِكَ، فكاتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فرد يومئذ أبا جَندَل إلى أبيه سُهَيل بن عَمرو، ولم يأتيه أحد من الرِّجال إلا رده في تلك المدة /١١٥ أ/ وإن كان مُسلِمًا".

وحدثنِي أبو عبد الله محمد بن أَحمَد الأَصبَهانِي، حدثنا الحَسَن، يَعنِي ابن الجَهم بن مَصقَلَة التَّيمِي، حدثنا الحُسَين، يَعنِي ابن الفَرَج البَغدادِي، حدثنا محمد، يَعنِي ابن عُمَر الواقِدِي، قال: فحدثنِي مُوسى بن محمد بن إِبراهِيم، عَن أَبِيهِ، قال: قال سُهَيل بن عَمرو لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَكَّة، وظهر، تقحمت بيتي وأغلقت عليَّ، وأرسلت إلى ابني عبد الله بن سُهَيل أن أطلب لي جوارًا من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فإني لا آمن أن أقتل، قال: وجعلت أتذكر أثرى عند محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فليس أحد أسوأ أثرًا مِنِّي، وأني لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يوم الحُدَيبِيَة، بما لم يلقه أحد، وكنت الَّذِي كاتبته مع حضوري بَدرًا وأُحُدًا، وكل ما تحركت قُرَيش كنت فيها، فذهب عبد الله بن سُهَيل إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أبي تؤمنه؟ فَقالَ: نعم هو آمن بأمان الله فليظهر، ثم قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لمن حوله: من رأى سُهَيل بن عَمرو فلا يشد النظر إليه. فليخرج فلعمري أن سُهَيلاً له عَقلٌ وشَرَفٌ، وما مثل سُهَيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن بنافِعِه. فخرج عبد الله إلى أبيه، فخبره بمقالة رسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقام سُهَيل كان والله برًّا صغيرًا وكبيرًا، فكان سُهَيل يقبل ويدبر، وخرج إلى حُنَين، وهو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وهو على شركه حَتَّى أَسلَم بالجِعرانَة.

أخبرنا أبو بَكر محمد بن إِسحاق بن خُزَيمَة، حدثنا محمد بن رافِع، حدثنا عبد الرَّزاق بن هَمام، أخبرنا مَعمَر، قال: الزُّهرِي أَخبَرَنِي، عن عُروَة بن الزُّبَير، عن المِسوَر بن مَخرَمَة، ومَروان بن الحَكَم، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه.

وأخبرنا أبو بَكر محمد بن إِسحاق بن خُزَيمَة، قال: وحدثنا محمد بن يَحيَى، حدثنا عبد الرَّزاق، فيما حدثنا من المغازي، قال: قال مَعمَر: قال الزُّهرِي: أَخبَرَنِي

⦗٢١٦⦘

عُروَة (٤) بن الزُّبَير، عن المِسوَر بن مَخرَمَة، ومَروان بن الحَكَم، يُصَدِّق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: "خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زمن الحُدَيبِيَة"، فذكر الحديث، وقال فيه: "فقال سُهَيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فبينا هم كذلك، إذ جاء أبو جَندَل بن سُهَيل بن عَمرو، فقال سُهَيل: هذا يا محمد أول من أُقاضيكَ أن ترده إليَّ، فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذًا لا نُصالِحكَ على شيء أبدًا، قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فأَجِرُه لي، قال: ما أنا بمُجِيرُهُ لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجرناه، فقال أبو جَندَل: أي معاشر المُسلِمِينَ، أرد إلى المشركين، وقد جئت مُسلِمًا، ألا ترون ما قد لقيت، وقد كان عُذِّبَ عذابًا شديدًا في الله (٥)، وذكر بعض الحديث. وقال في آخره، قال: وينفلت منهم أبو جَندَل بن سُهَيل، فلحلق بأبي بَصِير، فجعل لا يخرج من قُرَيش رجل قد أَسلَم إلا لحق بأبي بَصِير حَتَّى اجتمعت منهم عصابة، قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقُرَيش /١١٥ ب/ إلى الشام (٦) إلا عترضوا لهم (٧) فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قُرَيش إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إليهم، وذكر بَقِيَّة الحديث.

حدثنا أبو بَكر عبد الله بن سُلَيمان بن الأَشعَث، حدثنا إِسحاق بن وَهب، حدثنا محمد بن عُمَر، أخبرنا (٨) عَطاء بن محمد بن عَمرو بن عَطاء العامِرِي، عَن أَبِيهِ، عن ابن مَرسا، قال: سمعت سُهَيل بن عَمرو يقول: "لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يفِطر في شهر رمضان، ويخيل إليّ أن الشَّمس لم تغرب من تعجيل فطره".

أخبرنا أبو العباس الثَّقَفِي، حدثنا الحَسَن بن عِيسى، أخبرنا ابن المُبارَك،

⦗٢١٧⦘

أخبرنا جَرِير بن حازِم، قال: سمعت الحَسَن يقول: حضر الناس باب عُمَر، وفيهم سُهَيل بن عَمرو، وأبو سُفيان بن حَرب، وتلك الشيوخ من قُرَيش، فخرج آذنه، فجعل يأذن لأهل بَدر لصُهَيب وبِلَال وأهل بَدر، قال: وكان والله بَدرِيًّا، وكان يحبهم، وكان قد أوصى بهم قال أبو سُفيان: ما رأيت كاليوم قط إنه ليؤذن لهذه العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال سُهَيل بن عَمرو: ويا له من رجل ما كان أعقله أيها القوم، إني والله قد أرى الَّذِي في وجوهكم، فإن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دعي القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لما سبقوكم من الفَضل فيما ترون أشد عليكم فوتًا من بابكم هذا الَّذِي تنافسون عليه، قال: أيها القوم إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون، ولا سبيل لكم والله ما سبقوكم (٩) إليه، فانظروا هذا الجهاد فالزموه، عسى الله أن يرزقكم جهاده، ثم نفض ثوبه، فقام فلحق بالشام. قال الحَسَن: فصدق والله، لا يجعل الله عبدًا أسرع إليه كَعبد أبطأ عنه.

حدثنا أبو الحارِث محمد بن عِيسى، أخبرنا مُوسى بن زَكَرِيا، أخبرنا خَلِيفَة بن خَياط (١٠)، قال: سُهَيل بن عَمرو بن عبد شَمس بن نَصر بن مالِك بن حِسل بن عامِر بن لُؤَي، استشهد يوم مرج الصفر، ويقال: يوم اليرموك، يُكنَى أبا يَزِيد.


(١) سقط في (ز) من قوله: "عَلَى ذَلِكَ" إلى قوله: "يُقاضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ".
(٢) في (ز): "أبو بَكر محمد بن إِسحاق بن خُزَيمَة".
(٣) ألحق قوله: "أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لما كاتب سُهَيل" إلى قوله: "اشترط سُهَيل بن عَمرو عَلَى رَسُولِ اللهِ" في هامش (م)، وعليه علامة التصحيح، وهو ثابِت في (ز).
(٤) في (ز): "أَخبَرَنِي عن عُروَة".
(٥) في (ز): "في الله تعالى".
(٦) "إلى الشام" سقط من (م).
(٧) في (ز): "له".
(٨) في (ز): "وقال: أخبرنا".
(٩) ألحق قوله: "بما ترون، ولا سبيل لكم والله ما سبقوكم" في هامش (م)، وعليه علامة التصحيح، وهو ثابِت في (ز).
(١٠) في (ز): "يَعنِي ابن زَكَرِيا التُّستَرِي، أخبرنا خَلِيفَة، يَعنِي ابن خَياط"، والنص مخرج في "طبقاته" (صفحة ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>