للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

م/ وبكى النبي -صلى الله عليه وسلم- على الميت وقال: إنها رحمة.

ذكر المصنف - رحمه الله - قطعة من حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: (كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا - أَوِ ابْناً لَهَا - في الْمَوْتِ فَقَالَ لِلرَّسُولِ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شيء عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا. قَالَ فَقَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِى شَنَّةٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ). متفق عليه، ليستدل به على جواز البكاء على الميت من غير نياحة، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على الجواز:

فقد بكى لما مات ابن ابنته: كما في حديث أسامة السابق.

وبكى لما ماتت ابنته: كما في حديث أنس قال (شهدتُ بنتاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- تدفن، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس عند القبر، فرأيت عينيه تدمعان) رواه البخاري.

وبكى لما زار سعد بن عبادة: كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ (اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِى غَشِيَّةٍ فَقَالَ «أَقَدْ قَضَى». قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَوْا فَقَالَ «أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ) متفق عليه.

وبكى لما مات ابنه إبراهيم: كما في حديث أنس قال (دخلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله! فقال: يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري.

ومنها: بكاؤه -صلى الله عليه وسلم- لما نعى جعفر وأصحابه. متفق عليه.

بل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى استحباب البكاء على الميت إذا كان رحمة له.

قال رحمه الله: " .... لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، وذلك لا ينافي الرضا بخلاف البكاء عليه لفوات حظ فيه، وبهذا يعرف معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بكى على الميت وقال (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) فإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت ".

<<  <  ج: ص:  >  >>