م/ وبعد تقبيض الهدية وقبولها لا يحل الرجوع فيها لحديث (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) وفي الحديث الآخر (لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) رواه أهل السنن.
أي: وبعد قبض الهبة، لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته.
لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) رواه البخاري ومسلم
فإذا عاد الواهب في هبته بعد قبضها كان بمنزلة الكلب الذي يعود في قيئه.
[العائد في هبته] الراجع في هبته التي أعطاها وأقبضها للموهوب له. (وهذا هو المشبه) [كالكلب يقيء] هذا هو المشبه به، والقيء: إخراج ما بداخله. [ثم يعود في قيئه] أي ثم يعود فيما تقيأه فيأكله. الغرض من هذا التشبيه: هو تقبيح حال المشبّه والتنفير منه، هنا وقع التقبيح من وجهين:
أولاً: التشبيه بالكلب.
ثانياً: التشبيه بالكلب الذي يقي ثم يعود في قيئه.
• الحديث دليل على تحريم العوْدة في الهبة والرجوع فيها، لأن هذا الرجوع يدل على الدناءة وعلى لؤم الطبع، لأن الرجوع يدل على أن الواهب تعلقت نفسه بهذه الهبة، وأنها لم تطب نفسه بها.
وجه الدلالة من الحديث: أنه عُرف من الشرع أنه لا يستعمل هذا الأسلوب إلا في مقام الزجر الشديد والتنفير من الفعل.
• اختلف العلماء في حكم الرجوع في الهبة على قولين:
القول الأول: تحريم الرجوع في الهبة.
وهذا مذهب جمهور العلماء للحديث السابق، واستثنوا الوالد كما سيأتي.
القول الثاني: جواز الرجوع في الهبة.
وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو قول ضعيف.
• تحريم الرجوع في الهبة محمول على الهبة التي تم قبضها من المتهب، قالوا: لأن القيء في الحديث بمنزلة إقباض الهبة.
أما إذا لم تقبض فإنها تكون غير لازمة، لكن الحنابلة يرون كراهة الرجوع ولو كانت لم تقبض، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى تحريم الرجوع في الهبة ولو لم تقبض، لان هذا من إخلاف الوعد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (آية المنافق ثلاث: وإذا وعد أخلف .. ) فدل هذا على إن إخلاف الوعد حرام.
• يستثنى من ذلك الوالد، فإنه يجوز له أن يرجع في الهبة.