فجوابه أن يقال: قد اتفق أهل السنة والجماعة على القول ببقاء حياة عيسى عليه الصلاة والسلام ونزوله في آخر الزمان حكما عدلا، وليس بينهم خلاف ولا جدل في ذلك، وقد تقدم ذكر أقوالهم في ذلك قريبا، والذين جعلوا من حياة عيسى موضوع خلاف وجدل هم الفلاسفة وبعض أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والجهمية ومن اقتفى آثارهم من أهل البدع، وهم كثيرون في زماننا، ولا عبرة بخلافهم.
وأما قوله:"إنما الذي يجب الإيمان به بقطع ويقين أنه عليه السلام لم يقتل ولم يصلب {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} .
فجوابه أن يقال: ويجب أيضا الإيمان بقطع ويقين أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان حكما عدلا يحكم بالشريعة المحمدية، وأنه يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقتل الدجال، ويقاتل الناس على الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، وأنه يحج ويعتمر، وأنه يمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه؛ فهذا كله مما يجب الإيمان به بقطع ويقين؛ لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ألا إني أوتيت الكتاب مثله ومثله معه» . وعلى هذا؛ فمن أنكر شيئا مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام أو شك فيه؛ فهو لم يحقق الشهادة بأن محمدا رسول الله.
وأما قوله: "وعلينا أن نلاحظ حقيقة قرآنية واضحة، وهي أن القرآن الكريم لم يستعمل مادة (رفع) في غير الرفع المعنوي؛ رفع القدر والقيمة والمنزلة،