والصَّمَمِ لا عليهم، و «منهم» صفةٌ له بمعنى أنه صادر منهم، وهذا الثاني غيرُ ظاهرٍ. وقدَّره الزمخشري فقال:«أولئك كثير منهم» الوجه الخامس: أنَّ «كثير» مبتدأٌ والجملةُ الفعلية قبله خبرٌ، ولا يُقال: إنَّ الفعلَ متى وقع خبراً وجَبَ تأخيرُه لأنَّ ذلك مشروطٌ بكونِ الفاعل مستتراً نحو: «زيدٌ قام» لأنه لو قُدِّم فقيل: قام زيدٌ لألبس بالفاعل، فإنْ قيل: وهذا أيضاً يُلْبس بالفاعل في لغة «أكلوني البراغيث» فالجواب أنها لغةٌ ضعيفةٌ لا نبالي بها. وضَعَّفَ أبو البقاء هذا الوجه بمعنى آخرَ فقال:«لأنَّ الفعلَ قد وَقَع في موضِعِه فلا يُنْوَى به غيرُه» وفيه نظرٌ لأنَّا لا نُسَلِّم أنه وَقَع موقعَه، وإنما كان واقعاً موقعَه لو كان مجرداً من علامةٍ. ومثلُ هذه الآية أيضاً قولُه تعالى:{وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ}[الأنبيا: ٣] .
والجمهورُ على «عَمُوا وَصمُّوا» بفتح العين والصاد، والأصل: عَمِيُوا وصَمِمُوا كشَرِبُوا، فأُعِلَّ الأولُ بالحذفِ، والثاني: بالإِدغام. وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي بضم العين والصاد وتخفيف الميم من «عَمُوا» قال الزمخشري: «على تقدير / عماهم الله وصَمَّهم أي: رماهم وضربهم بالعَمَى والصَّمم، كما يقال: نَزَكْتُه إذا ضربته بالنَّيْزَك وَركَبْتُه إذا ضربته بركبتِك» ولم يَعْترض عليه الشيخ، وكان قد قال قبل ذلك بعد أَنْ حكى القراءة: «جَرَتْ مَجْرى زُكِم الرجلُ وأَزْكَمَه الله، وحُمَّ وأَحَمَّه الله، ولا يقال: زَكَمه الله ولا حمَّه، كما لا يقال: عَمَيْتُه ولا صَمَمْته، وهي أفعالٌ جاءت مبنيةً