للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيبتا بشعرٍ أسود كأنَّه حَلَقُ الزَّرَد، يحمل قَدَمان كَخدْو اللِّسان. فتبارك الله مع صِغَرِهما كيف يَطيقان ما فوقَهما؟! فأرسل الملك إلى أبيها فزوَّجه إيَّاها. وبعث بصداقها فجُهِّزت. فلما أرادوا أن يحملوها إلى زوجها قالت لها أمها: أي بنيَّة! إن الوصية لو تركت لَفضْلٍ في أدبٍ تركت ذلك منك، ولكنها للغافل ومعونةٌ للعاقل. ولو أن امرأةً استغنت عن الزوج لغني أبَوَيها وشدة حاجتهما إليها كُنتِ أغنى الناس عنه. ولكن للرجال خُلِقنا ولنا خُلِقوا. أي بنيَّة! إنك فارقت الحٍواءَ الذي منه خرجتِ، وخلَّفتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجتِ إلى وَكْرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك عليكِ رقيبا ومليكا، فكوني له أمَةً يكُنْ لك عبداً وشيكا. يا بُنيَّة! احملي عني عشر خصال تكن لك ذُخراً وذِكراً: الصُحبة بالقناعة، والمعاشرة بحُسن السمع والطاعة، والتعاهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشمُّ منك إلا طيب الريح. والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود. والتعاهد لوقت طعامه، والهُدُوُّ عنه حين منامه، فإن حرارة الجوع مَلْهَبة، وتنغيص النوم مغضبة. والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وحشمه، فإن الاحتفاظ بالمال حُسنُ التقدير، والإرعاء على العيال والحشم حُسنُ التدبير. ولا تُفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرتِ صدره. ثم اتَّقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير. وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظاماً أشدَّ ما يكونُ لك إكراماً، وأشد ما تكونين له موافقة أطول ما يكون لك مُرافقة. واعلمي أنَّكِ لا تصلين إلى ما تُحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت. والله جلّ وعزَّ بخير لك.

<<  <   >  >>