فأْتوا الأفعى الجُرْهُمي ومنزله بنَجْرَان. فتشاجروا في ميراثِه فتوجهوا إلى الأفعى الجُرْهُمي، فبينا هم في مسيرهم إليه إذ رأى مُضراً أثر كلأٍ قد رُعي فقال: إن البعير الذي رعى هذا الأعور، قال ربيعة: إنه لأزوَر، قال إيادٌ: إنه الأبْتَر، قال أنمارٌ: إنه لَشَرود. فساروا قليلاً فإذا هم برجلٍ يُضِعُ جَمَلَه. فسألهم عن البعير، فقال مضر: هو أعور؟ قال: نعم. قال ربيعة: هو أزْوَر؟ قال: نعم. قال إيادٌ: هو أبتَر؟ قال: نعم. قال أنمارٌ: هو شَرودٌ؟ قال: نعم. وهذه والله صِفة بعيري فدُلّوني عليه. قالوا: والله ما رأيناه. قال: هذا والله الكذِب. وتعلّق بهم وقال: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته؟ فساروا حتى قدموا نَجْران. فلما نزلوا نادى صاحب البعير: هؤلاء أصحاب جَمَلي، وصفوا لي صفته، ثم قالوا: نرهْ. فاختصموا إلى الأّفعى، وهو يومئذٍ حَكَمُ العرب. فقال الأفعى: كيف وصفتموه ولم تروه؟ قال مضر: رأيته قد رعى جانباً وترك جانباً فعلمت أنه أعور. قال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة والأخرى فاسدة فعرفت أنه أزور، لأنه أفسده بشدة وطئه. قال إيادٌ عرفت أن أبتر باجتماع بعِرِه، ولو كان ذَيَّالاً لَمَصَعَ به. قال أنمارٌ: عرفت أنه شرود، لأنه كان يرعى في المكان الملتف نبته ثم يجوزه إلى أرقَّ منه وأخبث نبتاً، فعلمت أنه شَرود. فقال للرجل: ليسوا بأصحابك فاطلب بعيرك. ثم سألهم: من أنتم؟ فأخبروه. فرحَّب بهم. ثم أخبروه بما جاء بهم. فقال: أتحتاجون إليّ وأنتم كما أرى؟! ثم أنزلهم فذبح بهم شاةً، وأتاهم بخمرٍ، وجلس لهم الأفعى حيث يَرى، ويسمع كلامهم. فقال ربيعة: لم أرَ كليوم لحماً أطيب من لولا أن شاته غُذِيَت بلبن كلبة. قال مضر: لم أرَ كاليوم خمراً أطيب منه، لولا أنّ حَبَلَتْه نبتت على قبر. فقال إياد: