لم أرَ كليوم رجلاً أسرى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يُدعى له. فقال أنمارٌ: لم أرَ كاليوم كلاماً أنفع في حاجتنا منه، وهو يسمع كلامكم. فقال: ما هؤلاء إلا شياطين. ثم دعا القهْرمان فقال: ما هذه الخمر وما أمرها؟ قال: هي حبلة غرستها على قبر أبيك. وقال للراعي: ما أمر هذه الشاة؟ قال: هي عناقٌ أرضعتُها بلبن كلبة وكانت أمها ماتت، ولم تكن في الغنم شاة ولدت غيرها. ثم أتى أمه فقال لها: أصدِقيني مَنْ أبي؟ فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال وكان لا يُولد له، قالت فخفت أن يموت ولا ولد له فيذهب المُلْك، فأمكنت من نفسي ابن عمٍ له كان نازلاً عليه فولدتك. فرجع إليهم فقصّوا عليه قصتهم وأخبروه بما وَصَّى به أبوهم. فقال: ما أشبه القبَّة الحمراء من مالٍ فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحُمر، فسميت مُضَر الحمراء. وأما صاحب الفرس الأدهم والخِباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيل الدُهْم، فقيل ربيعة الفرس. وما أشبه الشمطاء فلإيادٍ، فصارت له الماشية البُلق فسمّيت إياد الشمطاء. وقضى لأنمار بالدراهم والأرض. فصدروا من عنده على ذلك. وقال الأفعى: إن العصا من العُصيّة. وإن خُشَيْناً من أخْشَن. ومساعدة الخاطل تُعدّ من الباطل. فأرسلهم مثلاً. والعصا من العُصيّة معناه: تكون عُصيَّةً ثم تكبُر. والمعنى أن الأمر الصغير يكون كبيراً، فليس ينبغي للإنسان أن يحقر أمراً فإنه لا يدري ما يكون عواقبه. ومثله قول الحارث بن وَعْلة الجَرمِي:
لا تأْمَنَنَّ قَوْماً وَتَرْتَهُم ... وبَدَأْتَهُم بِالغَشْمِ والظُلْمِ
أَنْ يِأْبِروُا نَخْلاً لغَيْرِهِم ... والشيءُ تَحْقِرُه وقد يَنمِي