للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصبرًا عَلَى البلاء وصبرًا عَلَى المصائب، إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله -عز وجل.

وهذا منتزع من قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إِلَى قوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧].

والمراد بالبأساء: الفقر ونحوه، وبالضراء: المرض ونحوه، وحين البأس: حال الجهاد.

وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله عَلَى عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزع منه، ثم تلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

وكان بعض الصالحين في جيبه ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها، وفيها مكتوب: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨].

والصبر الجميل هو أن يكتم العبد المصيبة ولا يخبر بها.

قال طائفة من السَّلف في قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: ٨٣] قالوا: لا شكوى معه.

كان الأحنف بن قيس قد ذهبت عينه من أربعين سنة ولم يذكرها لأحد.

وذهبت عين عبد العزيز بن أبي روَّاد من عشرين سنة، فتأمله ابنه يومًا فَقَالَ له: يا أبت، قد ذهبت عينك! فَقَالَ: نعم يا بني، الرضا عن الله أذهب عين أبيك من عشرين سنة.

وكان الإمام أحمد لا يشتكي ما به من المرض إِلَى أحد، وذُكرَ له أن مجاهدًا كان يكره الأنين في المرض، فتركه فلم يئن حتى مات، وكان يقول لنفسه: يا نفسي، اصبري ولا تندمي.

ودخل بعض العارفين عَلَى مريض يقول: آه، فَقَالَ له ذلك العارف: ممن؟!