استقصاؤها وكثير منها مذكور في الكتب المصنفة: في "الفرج بعد الشدة" لابن أبي الدُّنْيَا وغيره، وكتاب "مجابي الدعوة" لابن أبي الدُّنْيَا، وكتاب "المستغيثين بالله والمستصرخين به" وكتب كرامات الأولياء، وأخبار الصالحين، وفي كتب التواريخ وغيرها.
ونحن نذكر هاهنا طرفًا يسيرًا، من أظرف ما حكي في هذا الباب ليعتبر به.
ذكر بعض العُلَمَاء في مصنف له -وأظنه من المغاربة- أنَّه سمع من أبي ذر الهروي الحافظ يحكي أنَّه كان ببغداد يقرأ عَلَى أبي حفص بن شاهين في دكان عطار، وأنه شاهد رجلاً جاء إِلَى العطار فدفع إِلَيْهِ عشرة دراهم وأخذ منه حوائج، وجعلها في طبق ووضعه عَلَى رأسه، فزلق ووقع طبقه وتفرقت حوائجه، فبكى واشتد بكاؤه وقال: لقد ضاع مني في قافلة كذا وكذا هميان فيه أربعمائة دينار - أو قال: أربعة آلاف دينار- ومعها فصوص قيمتها أكثر من ذلك فما جزعت لضياعها، ولكن ولد لي الليلة ولد فاحتجنا في البيت إِلَى ما تحتاج إِلَيْهِ النفساء، ولم يكن عندي غير هذه العشرة دراهم، فلما قدر الله ما قدر جزعت، وقلت: لا أنا عندي ما أرجع به اليوم إِلَى أهلي ولا ما أكتسب لهم غدًا، ولم يبق لي حيلة إلا الفرار عنهم وتركهم عَلَى هذه الحال فيهلكون بعدي، فلم أملك نفسي أن جزعت هذا الجزع.
قال أبو ذر: ورجل من شيوخ الجند جالس على باب داره فسمع هذا كله، فسأل الجندي أبا حفص أن يدخل هو وأصحابه والرجل المصاب معه إِلَى بيته ففعل، وطلب من الرجل المصاب إعادة الحكاية في الهيمان فأعاد ذلك عليه، وسأله عن من كان في تلك القافلة وعن المكان الَّذِي ضاع فيه الهميان، فأخبره، ثم سأله عن صفة الهميان وعلامته، فأخبره بذلك، فَقَالَ: لو رأيته كنت تعرفه؟ قال: نعم. قال: فأخرجه إِلَيْهِ فلما رآه، قال: هذا الهميان الَّذِي سقط مني وفيه من الأحجار ما صفته كذا وكذا، ففتح الهميان فوجد الأحجار عَلَى ما وصف، فدفعه إِلَيْهِ وخرج من عنده وقد صار من الأغنياء.
فلما خرج بكى الشيخ الجندي بكاء شديدًا، فسئل عن سبب بكائه فَقَالَ: إنه لم يكن بقي لي في الدُّنْيَا أمل ولا أمنية أتمناها إلا أن يأتي الله بصاحب هذا المال