فيأخذه، فلما قضى الله بذلك بفضله ولم يبق لي أمل علمت أنَّه قد حان أجلي.
قال أبو ذر: فما انقضى شهر حتى توفي، وصلينا عليه رحمه الله.
وحكى هذا المصنف أيضاً في كتابه عن رجل حكى له بالموصل أن رجلاً كان عندهم تاجرًا يسافر بتجارته إِلَى البلدان، فسافر مرة بجميع ماله وما يملكه إِلَى الكوفة، فوافقه في تلك السفرة رجل فخدمه فأحسن خدمته، وأنس به حتى وثق به، ثم استغفله في بعض المنازل وأخذ دابته وما عليها من المال والمتاع، ولم يبق له شيئًا ألبتة، واجتهد في طلبه فلم يقع له عَلَى خبر، فرجع إِلَى بلده راجلاً جائعًا، فدخل المدينة ليلا وهو عَلَى تلك الحال فطرق بابه، فلما علم به أهله سروا به وقالوا: الحمد لله الَّذِي جاء بك في هذا الوقت، فإن أهلك قد ولدت اليوم ولدًا وما وجدنا ما نشتري به ما تحتاج إِلَيْهِ النفساء، ولقد كانت هذه الليلة طاوية فاشتر لنا دقيقًا ودهنا نسرج به، فلما سمع ذلك زاد في غمه وكربه، وكره أن يخبرهم بما جرى له فيحزنهم، فخرج إِلَى حانوت رجل كان بالقرب من داره فسلم عليه، وأخذ منه دهنًا وغيره مما يحتاج إِلَيْهِ، فبينما هو يخاطبه إذ التفت فرأى خرجه الَّذِي هرب به خادمه مطروحًا في داخل الحانوت، فسأله عنه فَقَالَ: إن رجلاً ورد عَلَيَّ بعد العشاء واشترى مني عشاء واستضافني فأضفته، فجعلت خرجه في حانوتي ودابته في دار جارنا، والرجل بائت في المسجد، فنهض إِلَى المسجد ومعه الخرج فوجد الرجل نائمًا، فرفسه فاستيقظ مذعورًا، فَقَالَ له: أين مالي يا خائن؟ قال: هوذا عَلَى عنقك والله ما فقد منه ذرة.
واستخرج الدابة من موضعها، ووسع عَلَى أهله وأخبرهم حينئذ بخبره.
وتشبه هاتين الحكايتين ما حكاه التنوخي في كتابه "الفرج بعد الشدة" والحكاية طويلة، وملخصها: أن رجلاً كان ببغداد في زمن الرشيد، وكان صيرفيًّا، فابتاع جارية بخمسمائة دينار، وشغف بها حتى تعطل عن معاشه بسبب ملازمتها، وأنفق رأس ماله حتى لم يبق معه منه شيء، وحملت جاريته فصار ينقض داره ويبيع أنقاضها حتى فرغت ولم يبق له حيلة فضربها الطَّلق وهو عَلَى تلك الحال، وطلبت منه ما يصلح للنفساء، وشكت إِلَيْهِ أنها تموت إن لم يعجل