للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وقال حبيب الفارسي ليزيد الرقاشي: بأي شيء تقر عيون العابدين في الدُّنْيَا؟ وبأي شيء تقر عيونهم في الآخرة؟ فَقَالَ: أما الَّذِي تقر عيونهم به في الدُّنْيَا، فما أعلم [شيئًا] (١) أقر لعيون العابدين من التهجد في ظلمة الليل.

وأما الَّذِي تقر أعينهم به في الآخرة، فما أعلم شيئًا من نعيم الجنان وسرورها ألذ عند العابدين ولا أقر لعيونهم من النظر إلي ذي الكبرياء العظيم إذا رفعت تلك الحجب وتجلى لهم الكريم فصاح حبيب عند ذلك صيحة وخر مغشيًا عليه".

وكان علي بن الموفق كثيرًا ما يقول: "اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفًا من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أعبدك شوقًا إِلَى جنتك فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أني إِنَّمَا أعبدك حبا مني لك وشوقًا إِلَى وجهك الكريم فأبحنيه واصنع بي ما شئت".

وكانت رقبة الموصلية تقول: "إني لأحب ربي حبا شديدًا، فلو أمر بي إِلَى النار لما وجد للنار حرا مع حبه، ولو أمر بي إِلَى الجنة لما وجدت للجنة لذة مع حبه هو الغالب علي".

وكانت تقول: "إلهي وسيدي ومولاي، لو أنك عذبتني بعذابك كله لكان ما فاتني من قربك أعظم عندى من العذاب، ولو نعمتني بنعيم الجنة كله، لكانت لذة حبك في قلبي أكبر".

ومن كلام ذي النون: "ما طابت الدُّنْيَا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنان إلا برؤيته".

وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا محمد بن يحيى الموصلي قال: سمعت نافعًا -وكان من عباد الجزيرة- يقول: "ليت ربي جعل ثوابي من عملي نظرة مني إِلَيْهِ، ثم يقول لي: يا نافع: كن ترابا".

وفي هذا المعنى يقول القائل:

حرمة الود مالي عنكمو عوض ... وليس لي في سواكم سادتي غرض


(١) في "الأصل": شيء، والمثبت هو الصواب.