للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى أي نعمة تحمد؟! فَقَالَ: "أليس ترى ما قد صنع بي، قال: قلت: بلى. قال: فوالله لو أن الله صب عليّ [من] (١) السماء نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بى ما ازددت له إلا حبّا، ولا ازددت له إلا شكرًا".

وعن بكر بن خُنَيْس قال: "مررت بمجذوم وهو يقول: وعزتك وجلالك، لو قطعتني بالبلاء قطعًا ما ازددت لك إلا حبًّا".

وفي هذا المعنى يقول بعضهم:

لو قطعني الغرامُ إربًا إربًا ... ما ازددت عَلَى الملام إلا حبًّا

لا زلت بكم أسير وجدٍ صبا ... حتى أقضي عَلَى هواكم نحبًا

وروى أبو العباس بن مسروق بإسناده عن خلف البزار "أنَّه أتي بمجذوم ذاهب اليدين والرجلين أعمى، فجعله مع المجذومين وغفل عنه، ثم ذكره فَقَالَ له: يا هذا، غفلت عنك! فَقَالَ: حبيبي ومن أنا أحبه قد أحاطت محبته بأحشائي؛ فلا أجد لما أنا فيه من ألم مع محبته لا يغفل عني. فقلت له: إني نسيتك. قال: "إن لي من يذكرني، وكيف لا يذكر الحبيب حبيبه وهو نصب عينيه تائه العقل واللب؟! ".

وذكر أبو عبد الرحمن السلمي بإسناده عن بنان [الحمال] (١) قال: "ليس يتحقق (في الحب) (٢) حتى يتلذذ بالبلاء في الحب كما يتلذذ (الأغيار) (٣) بأسباب النعم".

وكان عبد الصمد الزاهد يقول: "أوجدهم في تعذيبه عذوبة -يشير إِلَى صبرهم عَلَى الضر والفقر".

وقالت امرأة من العارفات: "ما النعيم إلا الأنس بالله والموافقة لتدبيره".


(١) من المطبوع.
(٢) كتب في هامش الأصل: "لعله العبد".
(٣) في المطبوع: " الأغنياء".