للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٤]. والله لقد كابدوا في الدُّنْيَا حزنًا شديدًا، وجرى عليهم ما جرى عَلَى من كان قبلهم، والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولكن أبكاهم الخوف من النار.

وروى ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن نحوه.

وروى ابن أبي الدُّنْيَا من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال سمعت عبد الله بن حنظلة يومًا، وهو عَلَى فراشه، وعُدْتُهُ مِنْ عِلَّته، فتلا رجل عنده هذه الآية: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: ٤١] فبكى، حتى ظننت أن نفسه ستخرج، وقال: صاروا بين أطباق النار، ثم قام عَلَى رجليه، فَقَالَ قائل: يا أبا عبد الرحمن اقعد، قال: منع ذكر النار مني القعود، لا أدري لعلي أحدهم.

ومن حديث عبد الرحمن بن مصعب، إن رجلاً كان يومًا عَلَى شط الفرات فسمع تاليًا يتلو: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف: ٧٤] فتمايل، فلما قال التالي: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (١) [الزخرف: ٧٥] سقط في الماء فمات.

ومن حديث أبي بكر بن عياش، قال: صليت خلف فضيل بن عياض المغرب وإلى جانبي علي ابنه، فقرأ الفضيل {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فلما بلغ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط علي مغشيًّا عليه، وبقي فضيل لا يقدر يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، قال: ثم رابطت عليًّا فما أفاق إلا في نصف الليل.

وروى أبو نعيم بإسناده عن الفضيل، قال: أشرفت ليلة عَلَى علي، وهو في صحن الدار، وهو يقول: النار، ومتى الخلاص من النار؟.

وكان علي يومًا عند ابن عيينه، فحدث سفيان بحديث فيه ذكر النار، وفي يد علي قرطاس في شيء مربوط، فشهق شهقة، ووقع ورمى بالقرطاس، أو وقع من يده، فالتفت إِلَيْهِ سفيان، فَقَالَ: لو علمت أنك هاهنا ما حدثت به، فما أفاق إلا بعد ما شاء الله.


(١) أي: ساكنون، أو محزونون من شدة اليأس.