سرار، كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله عز وجل وعقابه، تمثلت لي نفسي بهم، فكيف لنفس تغل يداها إِلَى عنقها، وتسحب إِلَى النار، أن لا تبكي وتصيح؟ وكيف لنفس تعذب أن لا تبكي؟
قال العلاء بن زياد: كان إخوان مطرف عنده، فخاضوا في ذكر الجنة، فقال مطرف: لا أدري ما تقولون! حَالَ ذِكْرُ النارِ بيني وبين الجنة.
وقال عبد الله بن أبي الهذيل: لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة.
وعوتب يزيذ الرقاشي عَلَى كثرة بكائه، وقِيلَ لَهُ: لو كانت النار خلقت لك ما زدت عَلَى هذا، فَقَالَ: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن؟ أما تقرأ:{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}[الرحمن: ٣١]. أما تقرأ:{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ}[الرحمن: ٣٥]. فقرأ حتى بلغ:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}(١)[الرحمن: ٤٤]. وجعل يجول في الدار ويصرخ ويبكي حتى غشي عليه.
وقرئ عَلَى رابعة العدوية آية فيها ذكر النار، فصرخت، ثم سقطت، فمكثت ما شاء الله لم تفق.
ودخل ابن وهب الحمام فسمع قارئًا يقرأ:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}[غافر: ٤٧]، فسقط مغشيًّا عليه، فغسل عنه بالنورة وهو لا يعقل.
ولما أهديت معاذة العدوية إِلَى زوجها، صلة بن أشيم، أدخله ابن أخيه الحمام، ثم أدخله بيتًا مطيبًا، فقام يصلي حتى أصبح، وفعلت معاذة كذلك، فلما أصبح عاتبه ابن أخيه عَلَى فعله، فَقَالَ له: إنك أدخلتني بالأمس بيتًا أذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتًا أذكرتني به الجنة، فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت.
قال العباس بن الوليد عن أبيه قال: كان الأوزاعي إذا ذكر النار، لم يقطع