للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدل من جوَّز الدعاء بالموت وتمنّيه بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١)، ثم ذمَّهم عَلَى عدم تمنيه بسبب سيئاتهم، وعلى حرصهم عَلَى طول الحياة في الدُّنْيَا. وكذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} الآية (٢).

وفي "المسند" (٣) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يتمنينَّ أحدٌ الموت إِلاَّ من وثق بعمله".

فمن كان له عملٌ صالح فإنَّه يتمنَّى القدومَ عليه، وكذلك مَنْ غلب عليه الشوقُ إِلى لقاء اللَّه عزَّ وجلَّ.

وأمَّا من تمنى الموت خوف فتنة في الدين، فإنَّه يجوز بغير خلاف. وقد بسطنا الكلام عَلَى هذه المسائل في غير هذا الموضع.

قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ».

هذه الثلاث خصال قد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أئه كان يدعو بها في غير هذا الحديث أيضًا من حديث عمَّار بن ياسر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (٤) وقد شرحنا حديثَه بتمامه في موضع آخر.

فأمَّا الرضا بالقضاء: فهو من علامات المُخبتين (٥) الصادقين في المحبة، فمتى امتلأت القلوب بمحبة مولاها رضيت بكلِّ ما يقضيه عليها من مؤلمٍ ومُلائم.

سيان إنْ لاموا وإنْ عَذلوا ... ما لي عن الأحباب مصطبرُ

لابد لي منهم وإنْ تركوا ... قلبي بنار الهجر يستعرُ

وعلي أنْ أرضى بما حكموا ... وأطيع في كل ما أمروا


(١) البقرة: ٩٤.
(٢) الجمعة: ٦، ٧.
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٠).
(٤) أخرجه أحمد (٤/ ٢٦٤)، والنسائي في "الصغرى" (١٣٠٥)، وفي "الكبرى" (١٢٢٨).
(٥) المتواضعين أو الخاشعين أو المطمئنين.