للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا يزول بزيادة هذه اللذات الحسية، وبعضُم يظن أنه يزول بإزالة العقل بالسُّكر. وكلُّ هذا يزيد الألم والوحشة.

وإنما سببُه أنَّ الروح فقدت قوتها وغذاءها، فمرضت وتألَّمت.

إذا كُنت قوت النفوس ثم هجرتها ... فلن تصبر النفس التي أنت قوُتُها

ستبقى بقاء الضبِّ في الماء أو كما ... يعيش ببيداء المفاوز حوتُها

قال بعضُ العارفين لقوم: ما تعدُّون العيش فيكم. قالوا: الطعام والشراب، ونحو ذلك. فَقَالَ: إنَّما العيش أن لا لقى منك جارحة إلاَّ وهي تجاذبك إِلَى طاعة اللَّه وعزَّ وجلَّ.

مَن عاش مع اللَّه طاب عيشه، ومن عاش مع نفسه وهواه طال طيشه.

قال الحسن: إنَّ أحباء الله هم الذين ورثوا أطيب الحياة بما وصلوا إِلَيْهِ من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من لذَّة حبّه في قلوبهم.

وأكل إبراهيمُ بن أدهم مع أصحابه كِسرًا يابسة، ثم قام إِلَى نهرٍ فشرب منه بكفه، ثم حمد اللَّه، تم قال: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيام الحب، عَلَى ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب. فَقَالَ بعضُ أصحابه: يا أبا إسحاق، طلب القومُ الراحة والنعيم فأخطئوا (الصراط) (*) المستقيم. فتبسم ثم قال: من أين لك هذا.

أهل المحبة قومٌ شأنهم عجب ... سرورهم أبدٌ وعيشهم طرب

العيش عيشهم والملك ملكهم ... ما الناس إلا هم بانُوا أو اقتربوا

قيل لبعض العارفين -وقد اعتزل عن الخلق-: إذا هجرتَ الخلقَ مع من تعيش؟ قال: مع من هجرتهم لأجله.


(*) الطريق: "نسخة".