للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان بالبصرة رجلٌ من المجتهدين في الطاعة، وكان قليل المطعم، وبدنُه غير مهزول، فسُئل عن سبب ذلك، فَقَالَ: ذلك مِن فرحى بحب الله، إذا ذكرتُ أنَّه ربي وأنا عبده لم يمنع بدني أنْ يصلح.

وسُئل أبو الحسن بن بشار: هل يكون الوليُّ سَمينا. قال: نعم إذا كان الولي أمينًا. قِيلَ لَهُ: كيف، واللَّهُ يبُغض الحبر السمين. قال: إذا علم الحبر عبدَ مَن هو ازداد سمنًا.

وكان بشر يخطر في داره، ويقول: كفى لي عِزًّا أني لك عبد، وكفى لي فخرًا أنك لي رب.

نُسبت لكم عبدًا وذلك بغيتي ... وتشريفُ قدري نسبتي لعُلاكم

فكل عذاب في هواكم يلذُ لي ... وكل هوانٍ طيِّبٌ في هواكم

لحا (١) الله قلبي إنْ تغير عنكم ... وإن مال في الدُّنْيَا لحب سواكم

فمن وفَّى نفسه حظها من عيش جسده بالشهوات الحسية كالطعام والشراب؛ فسد قلبُه وقسا، وجلب له ذلك الغفلةَ وكثرة النوم. فنقص حظُّ روحه وقلبه من طعام المناجاة وشراب المعرفة، فخسر خُسرانًا مبينًا.

قال بعضُهم: مساكين أهل الدُّنْيَا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب شيء فيها.

قيل: وما هو؟ قال: معرفةُ اللًه عزَّ وجل، فمن عاش في الدُّنْيَا ولا يعرف ربَّه ولا يتنعم بخدمته، فعيشُه عيش البهائم.

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغفلة ... وليلك نومٌ والردى (٢) لك لازم

وتتعب فيما سوف تكره غِبه ... كذلك في الدُّنْيَا تعيش البهائم


(١) يقال: لحا لي الرجل أي شتمه ولامه وعنفه، وقيل: إِنَّ الملاحاة هي الملاومة، والمباغضة، ومنه لحاه الله لحيًا، أي: قبحه ولعنه. "اللسان" مادة: (لحي).
(٢) الردى: الهلاك "اللسان" مادة: (ردي).