للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبكى الرشيد. فَقَالَ له الوزير: دعاك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته. فَقَالَ الرشيد: دعه؛ فإنَّه رآنا في عمى، فكره أنْ يزيدنا عمى.

نظر بعضُ المترفين عند موته إِلَى منزله فاستحسنه، فَقَالَ:

إنَّ عيشًا يكون آخره الموت ... لعيش معجَّل التغيص

ثم مات من يومه.

وقال آخر:

يا غنيّ بالدنانير ... مُحب اللَّه أغنى

وقال آخر:

إِنَّمَا الدُّنْيَا وإنْ سرَّ ... ت قليل من قليل

إنَّما العيش جوار اللَّه ... في ظل ظليل

حيث لا تسمع ما يؤذيـ ... ك مِن قال وقيل

وقال آخر:

وكيف يلذ العيش من كان عالمًا ... بأنَّ إله الحلق لابد سائله

فيأخذ منه ظلمه لعباده ... ويجزيه بالخير الَّذِي هو فاعله

فالأشقياءُ في البرزخ في عيش ضنك؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (١).

وقد رُوي عن أبي سعيد الخدري، مرفوعًا وموقوفًا (٢): أنَّ المعيشة الضنك عذاب القبر، يضيق عليه قبرُه حتى تختلف أضلاعُه، ويسلَّط عليه تسعة وتسعون تنينًا.

فأما عيشهم في الآخرة فأضيق وأضيق، فأما من طاب عيشه بعد الموت فإن طيب عيشه لا ينقطع؛ بل كلما جاء تزايد طيبه. ولهذا سئل بعضهم: من أنعم


(١) طه: ١٢٤
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٣٨١) مرفوعًا، والطبري في "التفسير" (١٦/ ١٦٤) موقوفًا.