للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "صحيح مسلم" (١) عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".

فظلمُ العباد شرٌّ مكتسب؛ لأنَّ الحق فيه لآدمي مطبوع عَلَى الشُّح، فلا يترك من حقه شيئًا، لاسيما مع شدة حاجته يوم القيامة، فإنَّ الأم تفرحُ يومئذ إذا كان لها حقٌّ عَلَى ولدها، لتأخذه منه.

ومع هذا، فالغالبُ أنَّ الظالم تُعجَّل له العقوبة في الدُّنْيَا وإنْ أُمهل؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - (٢): «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} (٣) الآية.

قال بعضُ أكابر التابعين لرجل: يا مُفلس. فابتُلي القائل بالدَّين والحبس، بعد أربعين سنة.

وضَرب رجلٌ أباه وسحبه إِلَى مكان، فَقَالَ الَّذِي رآه: إِلَى ها هنا! رأيتُ هذا المضروب قد ضَرب أباه، وسحبه إِلَيْهِ!

وصادر بعضُ وزراء الخلفاء رجلًا، فأخذ منه ثلائة آلاف دينار. فبعد مدة غضب الخليفة عَلَى الوزير، وطلب منه عشرة آلاف دينار، فجزع أهلُه من ذلك، فَقَالَ: ما يأخذ مني أكثر من ثلاثة آلاف دينار كما كنتُ ظلمتُ. فلما أدَّى ثلاثة آلاف دينار وقَّع الخليفةُ بالإفراج عنه، فسبحان مَن هو قائمٌ عَلَى كل نفس بما كسبت، إنَّ ربك لبالمرصاد.

حاكمُ العدل لا يجور، وإنَّما يُجازي بالعدل. وميزانُ عدله لا يُحابي أحدًا؛ بل يتحرَّر فيه مثاقيلُ الذر ومثاقيل الخردل، وكما تدين تدان.

فجانب الظلمَ لا تسلُك (طريقته) (*) ... عواقبُ الظلم تُخشى وهى تنتظر

وكل نفس ستُجزى بالذي عملت ... وليس للخلق من دينهم وطر


(١) أخرجه مسلم (٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) هود:١٠٢.
(*) مسالكه: "نسخة".