للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: مما استعاذ منه: وهو اكتساب الخطيئة؛ قال اللَّه عز وجل: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} (١).

وفسِّرت إحاطة الخطيئة بالموت عَلَى الشرك، وفسِّرت بالموت عَلَى الذنوب الموجبة للنار من غير توبة منها.

فكأنَّ ذنوبه أحاطت به من جميع جهاته، فلم يبق له مخلصٌ منها.

فالخطايا تُحيط بصاحبها حتى تُهلكه؛ وقد ضرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثل الخطايا التي يتلبس بها العبد بمثل درع ضيقة يلبسها، فتضيق عليه حتى تخنقه، ولا تنفك عنه إلا بعمل الحسنات، من توبة أو غيرها من الأعمال الصالحة؛ ففى "المسند" (٢)، عن عُقبة بن عامر رضي اللَّه عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ (خَنِيقَة) (*)، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً أُخْرَى فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ أُخْرَى حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ».

فلا يخلص العبد من ضيق الذنوب عليه وإحاطتها به إلاَّ بالتوبة والعمل الصالح.

كان بعضُ السلف يُردد هذين البيتين بالليل، ويبكي بكاءً شديدًا:

ابكِ لذنبك طول الليل مجتهدًا ... إنَّ البكاء معول الأحزان

لا تنسَ ذنبك في النهار وطوله ... إِنَّ الذنوب تحيط بالإنسان

الرابع مما استعاذ منه: الذنب الَّذِي لا يُغفر. ويدخل فيه شيئان. أحدُهما: الشرك؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ... } (٣) الآية.

والثاني: أنْ يعمل العبدُ ذنبًا ولا يُوفَّق لسبب يمحوه عنه؛ بل يلقى اللَّه من غير سبب ملح له، فلا يُغفر له؛ بل يُعاقب عليه، فإنَّ الله إذا أَحَبّ عبدًا أوقعه


(١) البقرة:٨١.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٤٥).
(*) ثُم خنقته: "نسخة".
(٣) النساء: ٤٨، ١١٦.