للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تهواه، وهي لا تهوى إلَّا ما تظن أنَّ فيه لذتها وشهوتها في العاجل وإنْ عاد ذلك بضرٍّ لها فيما بعد الموت، وقد يعود ذلك عليها بالضرر في الدُّنْيَا قبل الآخرة.

فهذا هو الغالب واللازم، فيتعجَّل -هو لنفسه- العارَ والفضيحة في الدُّنْيَا، وسقوطَ المنزلة عند اللَّه وعند خلقه، والهوان والخزي، ويُحرم بذلك خير الدُّنْيَا والآخرة، من علمٍ نافع ورزق واسع وغير ذلك.

ومَن خالف نفسَه ولم يُتبعها هواها تعجَّل بذلك الجزاء في الدُّنْيَا، ووجد بركة ذلك من حصول العِلْم والإيمان والرزق وغير ذلك.

وقيل لبعضهم: بما بلغ الأحنفُ بن قيس فيكم ما بلغ؟ قال: كان أشد الناس سُلطانًا عَلَى نفسه.

فهذه النفس تحتاج إِلَى مُحاربة ومجاهدة ومعاداة؛ فإنَّها أعدى عدو لابن آدم، وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "المُجاهد من جاهد نفسه في الله" (١) ورُوي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" (٢).

وقال الصِّديقُ لعمر رضي اللَّه عنهما في وصيته له عند موته: أوَّل ما أُحذرك نفسك التي بين جنبيك.

وفيه يقول بعضُهم: كيف احترازي من عدوي، إذا كان عدوي يين أضلاعي؟!

وقال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص لمن سأله عن الجهاد: ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها (٣). ويقال: إنَّه الجهاد الأكبر، ورُوي مرفوعًا (٤) من وجه ضعيف.


(١) أخرجه أحمد (٦/ ٢٠، ٢١، ٢٢)، والترمذي برقم (١٦٢١). قال الترمذي: حديث حسن
صحيح.
(٢) أخرجه البيهقي في "الزهد الكبير" (٣٤٣) من حديث ابن عباس. قال العراقي في "تخريج الإحياء" (٤/ ٣): وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين.
(٣) أخرجه البيهقي في "الزهد الكبير" (٣٦٨).
(٤) أخرجه أبو داود (٢٥١٩).