للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال غيره:

من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاويًا منها عَلَى ضجر

إِنَّ الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشجر

ومنها أن الزرع وإن كانت كل طاقة منه ضعيفة ضئيلة؛ إلا أنه يتقوى بما يخرج معه وحوله ويعتضد به بخلاف الشجر العظام، فإن بعضها لا يشد بعضًا، وقد ضرب الله تعالى مثل نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالزرع لهذا المعنى قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى} (١).

وقوله: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ}؟ ي: فراخه، {فَآزَرَهُ} أي: ساواه وصار مثل الأم وقوي به، {فَاسْتَغْلَظَ} أي: غلظ، {فَاسْتَوَى} عَلَى سوقه جمع ساق، فالزرع مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ خرج وحده فأمده بأصحابه وهم شطأ الزرع كما قوى الطاقة من الزرع بما ينبت منها حتى غلظت واستحكمت. وفي الإنجيل: سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع.

وقد قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٢).

وقال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} (٣) فالمؤمنون بينهم ولاية، وهي مودة ومحبة باطنة، كما قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (٤)؛ لأنّ المؤمنين قلوبهم عَلَى قلب رجل واحد فيما يعتقدونه من الإيمان.

وأما المنافقون فقلوبهم مختلفة كما قال: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (٥) فأهواؤهم مختلفة، ولا ولاية بينهم في الباطن، وإنما بعضهم من جنس بعض في الكفر والنفاق.


(١) الفتح: ٢٩.
(٢) التوبة: ٧١.
(٣) التوبة: ٦٧.
(٤) الحجرات: ٤٩.
(٥) الحشر: ١٤.