للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي "الصحيحين" (١) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعَهُ.

وفيهما (٢) أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُه بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ".

ومنها أن الزرع ينتفع به بعد حصاده، فإنه يحصده أربابه، ثم يبقى منه بعد حصاده ما يلتقطه المساكين، وترعاه البهائم وتأكله الطير، وربما استخلف بعضه فأخرج منه ثانية، وبيع منه من الحب ما ينبت مرارًا.

وهكذا مثل المؤمن يموت ويخلف ما ينتفع منه، من علم نافع وصدقة جارية وولد صالح ينتفع به.

وأما الفاجر فإنه إذا انقلع من الأرض لم يبق فيه نفع بل ربما أثر ضررًا، فهو: كالشجرة المنجعفة لا تصلح إلا لوقيد النار.

ومنها أن الزرع في حمله مبارك، كما ضرب الله مثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء.

وليس كذلك الشجر لأنّ كل حبة مما يغرس منه لا تزيد عَلَى نبات شجرة واحدة منها.

ومنها أن الحب الَّذِي ينبت من الزرع هو قوت الآدميين، وغذاء أبدانهم،

وسبب حياة أجسادهم، فكذلك الإيمان هو قوت القلوب وغذاء الأرواح وسبب حياتها، ومتى فقدته القلوب ماتت، وموت القلوب لا يرجى معه حياة أبدًا، بل هو هلاك الدُّنْيَا والآخرة، كما قيل:

لَيسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيِّتٍ ... إِنَّمَا الميْتُ مَيَّتُ الأحْيَاءِ


(١) أخرجه البخاري (٤٨١، ٢٤٤٦، ٦٠٢٦)، ومسلم (٢٥٨٥).
(٢) أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦).