للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلذلك شبه المؤمن بالزرع حيث كان الزرع حياة الأجساد، والإيمان حياة الأرواح.

وأما ثمر بعض الأشجار العظام كالصنوبر ونحوه، فليس له كبير نفع، وربما لا يتضرر بفقده. فكذلك مَثَّل الفاجر أو المنافق بهذه الشجرة لقلة نفع ثمرها.

لما كانت الدُّنْيَا سجن المؤمن وجنة الكافر، فصاحب السجن لا يزال في بلاء حتى يخرج منه، فَإِذَا خرج من السجن أفضى إِلَى الرخاء والنعيم الدائم، وصاحب الجنة إذا خرج منها وقع في السجن الدائم.

إذا صُبغ أنعم الناس -كان في الدُّنْيَا- صبغة في العذاب، فقِيلَ لَهُ: هل مر بك نعيم قط؟ قال: لا يا رب. وإذا صُبغ أبأس الناس -في النعيم صبغة، ثم قِيلَ لَهُ: هل مر بك بؤس قط؟ قال: لا يا رب.

ما كان تعب من استراح ... ولا استراح من تعب

فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ... ويذهب هذا كله ويزول

لا يجد أهل الجنة من ألم نصب الدُّنْيَا شيئًا، بل ينقلب راحة أبدًا.

جميع آلام لسع النحل يُذْهِبُهَا ... ما يَجْتَني المجتَني من لذة العسل

من طمع في الوصول إِلَى المعالي؛ صبر عَلَى مواصلة نَصَبِ النهار بسهر الليالي.

من أراد غدًا قربنا؛ فليصبر اليوم عَلَى ألم ضربنا، فما يحس بألم من صدق في حبنا.

لابد من البلوى والاختبار ليتبين الصادق اليوم من الكاذب {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (١).

الراحة لا تنال بالراحة.


(١) محمد: ٣١.