للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأول عارض من شبهة، لا ذا، ولا ذا، أو منهومًا باللذات سلس (الانقياد) (*) للشهوات، أو مغرى بجمع المال والادخار، وليسا من دعاة الدين، أقرب شبهًا بهما الأنعام السارحة، كذلك يموت العِلْم بموت حامليه، اللهم بلى لن تخلوا الأرض عن قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدونها إِلَى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العِلْم عَلَى حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأَنَسُوا بما استوحشَ منه الجاهلون، صحبوا الدُّنْيَا بأبدان، أرواحها معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إِلَى دينه، هاه هاه شوقًا إِلَى رؤيتهم.

فقسم أمير المؤمنين- رضي الله عنه حملة العِلْم إِلَى ثلاث أقسام:

قسم هم أهل الشبهات، وهم من لا بصيرة له من حملة العِلْم؛ بل ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، فتأخذه الشبهة، فيقع في الحيرة والشكوك ويخرج من ذلك إِلَى البدع والضلالات.

وقسم هم أهل الشهوات، وجعلهم نوعين:

أحدهما: من يطلب الدُّنْيَا بنفس العِلْم، فيجعل العِلْم آلة لكسب الدُّنْيَا، والثاني: من يطلب الدُّنْيَا بغير العِلْم وهذا النوع ضربان:

أحدهما من همه من الدُّنْيَا لذاتها وشهواتها، فهو منهوم بذلك، سريع الانقياد إِلَيْهِ، والثاني من همه جمع الدُّنْيَا واكتنازها وادخارها، وكل هؤلاء ليسوا من دعاة الدين، وإنما هم كالأنعام، ولهذا شبه الله تعالى من حُمِّل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الَّذِي يحمل أسفارًا، وشبه عالم السوء الَّذِي انسلخ من آيات الله وأخلد إِلَى الأرض واتبع هواه بالكلب، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضل سبيلاً.


(*) القياد: "نسخة".