للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القسم الثالث من حملة العِلْم هم أهله وحملته، ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته، وذكر أنهم الأقلون عددًا، [الأعظمون] (*) عند الله قدرًا إشاره إِلَى قلة هذا القسم وعزته في حملة العِلْم، وغربته بينهم.

وقد قسم الحسن البصري رحمه الله حملة القرآن إِلَى قريب من هذا التقسيم الَّذِي قسمه علي رضي الله عنه لحملة العِلْم.

قال الحسن: قراء القرآن ثلاثة أصناف:

صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده، واستطالوا به عَلَى أهل بلادهم، واسدنوا به الولاية، كثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله.

وصنف عمدوا إِلَى دواء القرآن، فوضعوه عَلَى داء قلوبهم، فركدوا به في محاريبهم، وحنوا في (برانسهم) (١)، واستشعروا الخوف، وارتدوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث، وينصر بهم عَلَى الأعداء. والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر. فأخبر أن هذا القسم - وهم الذين قرءوا القرآن لله وجعلوه دواءًا لقلوبهم، فأثمر لهم الخوف والحزن- أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن.

ووصف أمير المؤمين علي رضي الله عنه هذا القسم من حملة العِلْم بصفات:

منها أنه هجم بهم العِلْم عَلَى حقيقة الأمر، ومعنى ذلك أن العِلْم دلهم عَلَى المقصود الأعظم منه، وهو معرفة الله تعالى، فخافوه وأحبوه، حتى سهل بذلك عليهم كل ما تعسر عَلَى غيرهم ممن لم يصل إِلَى ما وصلوا إِلَيْهِ، ممن وقف مع الدُّنْيَا وزهرتها، واغتر بها ولم يباشر قلبه معرفة الله وعظمته وإجلاله.


(*) كتب في الهامش: الأعظم.
(١) البرنس: قلنسوة طويلة، وكل ثوب رأسه منه ملتزق. "اللسان" مادة: "برنس". [وهو يشبه الثوب المغربي].