للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن السماك: ما بكوا لسكرة الموت، إِنَّمَا بكوا لحسرة الفوت، خرجوا من دار لم يتزودوا منها، وقدموا عَلَى دار لا زاد لهم فيها.

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... وأبصرت بعد الموت من قد تزودا

ندمت عَلَى أن لا تكون شركته ... وأرصدت ما قد كان من قبل أرصدا

أما الخليل الثالث: فهو العمل، وهو الخليل الَّذِي يدخل مع صاحبه قبره فيكون معه فيه، ويكون معه إذا بعث، ويكون معه في مواقف القيامة، وعلى الصراط، وعند الميزان، وبه تقتسم المنازل في الجنة والنار.

قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} (١).

وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} (٢). قال بعض السَّلف: في القبر.

يعني أن العمل الصالح يكون مهادًا لصاحبه في القبر، حيث لا يكون للعبد من متاع الدُّنْيَا فراشٌ ولا وسادٌ ولا مهاد؛ بل كل عامل يفترش عمله ويتوسده من خيرٍ أو شر.

فالعاقل من عمر بيته الَّذِي تطول إقامته فيه، ولو عمره بخراب بيته الَّذِي يرتحل عنه قريبًا لم يكن مغبونًا؛ بل كان رابحًا.

قال وهب بن منبه: قال لقمان لابنه: يا بني، لكل إنسان بيتان: بيتٌ غائبٌ، وبيتٌ شاهد؛ فلا يُلهينّك بيتك الشاهد الَّذِي فيه عمرك القليل، عن بيتك الغائب الَّذِي فيه عمرك الطويل.


(١) فصلت: ٤٦.
(٢) الروم: ٤٤.