وهؤلاء يجمعون في كتبهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، ثم جرد طوائفه آخرون الحديث المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخلطوه بشيء من الآثار كما فعل موسى بن قرة، والإمام أحمد، وإسحاق وبقي بن مخلد، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.
ثم صنف قوم المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسقطوا ما عداه من الضعيف، كما فعل البخاري ومسلم.
وصنف أيضاً في الصحيح ابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم، وابن السكن، وغيرهم، ولا يبلغ تصحيح هؤلاء تصحيح الشيخين.
وصنف أصحاب السنن والجوامع الكتب المرتبة عَلَى الأبواب، ولما انتشرت الكتب والتصانيف توسع الناس في الرواية، فصاروا يقرءون عَلَى الشيوخ قراءات ويسمى ذلك العرض. وصار الشيوخ يناولون أصحابهم كتبًا يعرفون ما فيها، ويأذنون لهم في روايتها عنهم، وكان هذا وهذا من عمل أهل الحجاز وغيرهم.
وقد كانوا قبل تصنيف الكتب يفعلون ذلك أيضاً أحيانًا في أحاديث يكتبونها في صحف.
وأنكر العرض والمناولة طائفة من علماء العراق، كما أنكروا الشهادة عَلَى مثل ذلك، فإنهم أنكروا الشهادة عَلَى الوصية المختومة، وعلى كتاب القاضي حين يقرءوه عليه، ويعلم ما فيه، ووافقهم طائفة من الفقهاء في الشهادة دون الرواية، فصارت الأقوال ثلاثة:
أحدها: المنع من الرواية بما قرأه عَلَى الشيخ أو ناوله إياه بخطه، وهؤلاء يمنعون الزيادة بما ناوله بخطه أيضاً.
وأما الشهادة بما قرئ عليه فأقر به، فلا يحفظ قولهم في ذلك، وهذا القول كان قديمًا مشهورًا عن أهل العراق، وكان مالك وغيره ينكره عليهم.