للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى في جواز نكاح أمهات أولاد المفقود أنه إما أن يشبهن بالزوجات فلا يحبسن عَلَى مولاهن؛ لما فيه من الضرر كضرر الزوجات، فيتعين أنه يجوز لهن النكاح؛ دفعًا عن الضرر، ويوضح هذا أن الإماء يجب عَلَى سيدهن إعفافهن، إما بالوطء إِن أمكن، وإما بالتزويج، وإما أن يبيعهن لمن يقوم مقامه في ذلك إِن أمكن البيع.

وأمهات الأولاد لا يمكن فيهن البيع فيتعين إعفافهن بأحد الأمرين الأولين، والغائب قد يتعذر الإعفاف منه بالوطء فيتعين وجوب إعفافهن بالنكاح إِن طلبنه، وهذا ينقضي جواز إنكاح الحاكم لهن مع الغيبة المطلقة.

وإن لم يكن السيد مفقودًا؛ بل حصل لهن الضرر بترك الوطء، فقد صرح بذلك القاضي أبو يعلى في "الجامع الكبير" وإن الحاكم يزوج إماء الغائب إذا طلبن ذلك، وكانت غيبته منقطعة بحيث يجوز للولي الأبعد تزويج الحرة مع غيبة الولي الأقرب، فَإِذَا كان هذا في الغائب دون المفقود، فالمفقود أولى وأحرى أن يزوج أمهات أولاده.

وأما إِن تشبهت -أعني أمهات الأولاد- بالإماء القن (١) تغليبًا للمالية فيهن وهو مقتضى كلام أصحابنا في تضمينهن بالغصب {والعقد} (٢) كما سبق ذكره، فيجب حينئذ أن يحكم فيهن بحكم المال، ومعلوم أن ماله يقسم عند الإمام أحمد إذا مضت مدة انتظاره كما سبق ذكره.

وإذا وجب قسمته فإنه يجب قسمته عَلَى مقتضى قسمة سائر التركات، فيبدأ بإخراج ما يخرج من رأس المال من ديون ونحوها، ثم بما يخرج من الثلث من الوصايا ونحوها، ثم يقسم الباقي بين الورثة عَلَى حكم الميراث.


(١) العبد القنّ: الَّذِي وُلد عندك، ولا يستطيع أن يخرج عنك. والأنثى: قنّ بغير هاء. قال الأصمعي: القن: الَّذِي كان أبوه مملوكًا لمواليه، وكأن القن مأخوذ من القنية. "اللسان" مادة: (قنن).
(٢) في "الأصل": "اليد".