وقول الأصحاب: يقسم ماله بين ورثته مرادهم به أنه يقسم عَلَى حكم سائر المواريث، لم يريدوا أنه يقسم جميعه عَلَى الورثة، ولا يخرج منه ما يخرج من رءوس الأموال، فإن هذا لا يقوله عاقل، وبعضهم صرح به يقسم بين الغرماء والورثة، منهم ابن عقيل وغيره، وهذا واضح لا خفاء به، ومعلوم أن عتق أمهات الأولاد يتعين إخراجه من رأس المال قبل الديون وغيرها، ولهذا لو مات المفلس وعليه ديون، ولم يخلف غير أم ولده لعتقت ولم يتخلص فيها الغرماء، فكيف يتوهم متوهم أن مال المفقود يوفى منه ديونه، ويترك أمهات أولاده يعتقن، وعتقهن يقدم عَلَى الديون؟ أم كيف يتوهم متوهم أن ماله يقسم بين ورثته ولا تخرج منه ديونه ولا تنفذ منه وصاياه؟
فإن قيل: ما الفرق بين توريث المال والحكم بالعتق؟
أما توريث المال لم يشترط له تعين حياة الوارث ولا الموروث عند أحمد بدليل أنه يورث الغرقاء والهدماء بعضهم من بعض، ويورث المفقود من مال مورثه الَّذِي مات في مدة انتظاره في أحد الوجهين لأصحابه وقد قيل: إِنَّ في كلامه إيماء إِلَيْهِ، فلذلك لا يعتبر له تعين وفاة الموروث.
وأما العتق فلا يحكم به مع الشك في وقوعه، كما لا يحكم بالطلاق مع الشك فيه.
قيل: قسمة مال المفقود عند الإياس من قدومه مشبه بملك اللقطة بعد حول التعريف للإياس من الاطلاع عَلَى مالكها، وكلاهما جائز لما في قسمة المال والتصرف فيه من المصلحة، ولما في {إمساكه}(١) وحبسه من الفساد وتعرضه لاستيلاء الظلمة عليه، وذلك هو الواقع في هذه الأزمان لا محالة، وكلاهما يجوز من غير استئذان حاكم، وقد نص عليه أحمد في رواية أبي داود في مال المفقود، مع تردده في رفع أمر زوجته إِلَى الحاكم، وكلاهما