فأما الإماء، فمذهب أحمد أنه يجب عَلَى السيد إعفافهن إذا طلبن الإعفاف: إما بنفسه إِن أمكن، وإما بالتزويج، أو بخروجهن عن ملكه بالعتق، وفي إجباره عليه ضرر له، فَإِذَا لم يعفهن بنفسه تعين إعفافهن بالتزويج.
وقد ذكر القاضي في غير موضع من كتابه "الجامع الكبير" أن الحاكم لا يجبر السيد عَلَى تزويج إمائه إذا طلبن ذلك؛ لأنّ لنا طريقًا إِلَى إزالة ضررها بدون النكاح، فلذلك قام الحاكم فيه مقام الأولياء عند امتناعهم منه، وهذا التعليل يقتضي أن أم الولد يزوجها الحاكم إذا امتنع السيد من تزويجها؛ لأنّه لا يمكن نقل الملك فيها إلا أن نقول: يجبره الحاكم عَلَى أحد أمرين: إما إعفافهن بالوطء، أو بالنكاح.
وقد يقال: إنه يمكن إزالة ضررها، بإخراجها عن ملكه بالعتق لتصير حرة.
ثُم قال القاضي -بعد ما ذكره من التعليل والفرق-: فعلى هذا لو كان السيد غائبًا غيبة منقطعة، وله أمة، وقد دعيت إلي التزويج، أو كان سيدها صبيًّا أو مجنونًا احتمل أن يزوجها الحاكم كما ينفق عليها من ماله.
ومعنى هذا أنه إذا طلبت الأمة النكاج وكان الزوج ممن لا يمكن أن يطلب منه عقد النكاح عليها، إما لغيبته أو صغره أو جنونه؛ فإن الحاكم يقوم مقامه حينئذ فيه؛ لأنّه حق وجب إبقاوه، وقد تعذر فعله منه، فقام الحاكم فيه مقامه كما يقوم مقامه في الإنفاق عَلَى الأمة من ماله، وهذا المعنى لا فرق فيه بين أمهات الأولاد وغيرهن للاشتراك في وجوب الإعفاف، والله تعالى أعلم.
ولذلك ذكر القاضي في "خلافه" أن سيد الأمة إذا غاب غيبة منقطعة، فطلبت منه التزويج في غيبته زوجها الحاكم، وأن هذا قياس المذهب، ولم يذكر فيه خلافًا.
وكذلك نقله عنه صاحب "المحرر" في تعليقه عَلَى "الهداية" ولم يعترض عليه بشيء.